نون – تقرير تكتبه – آية عبد الحميد
عزيزي القارئ مُنذ الوهلة الأولي لقراءة العنوان، عليك تحديد ما سيدور حوله حديثي لك اليوم، إنه الصراع الدائم الأبدي الذي يواجه الكثير من الآباء والأبناء، والذي يصنع بينهم فجوة ويمنعهم من التواصل الجيد السليم، حيث تُعتبر مشكلة التواصل بين الآباء والأبناء من المشاكل الحقيقية في أيامنا المعاصرة، ولعل السبب الكامن وراء مشكلة كهذه غير محدد حتى الآن.
فالبعض يعزوه للآباء، بينما يعزوه آخرين للأبناء، فالأبناء يصفون الآباء بالمتزمتين والمتشددين، ويتهمونهم بأنهم مُتأخرين كثيراً عن إيقاع العصر الحديث، ومن ناحية آخري، يتهم الآباء الأبناء بأنهم مُتسرعون، وقليلو الخبرة، ولا يحترمون آراء وخبرة الكبار، فدائماً ما ينسي الآباء في كثير من الأحيان أنهم كانوا في يوم من الأيام أطفالاً وأبناء يتذمرون ويتعصبون وينفرون من طلبات أولياء أمورهم، ويصفون هذا إجحافا من الآباء بحقوقهم وتقليلاً من شأنهم، كما يتغيب عن الأبناء أنهم سيقفون يوماً ما أمام أولادهم يفرضون عليهم ما يرونه صالح لهم من وجهة نظرهم في كل شيء، منتظرين منهم تقديم ولاء الطاعة بكل أريحية ورضا وقبول، وما بين تعصب الآباء ونفور الأبناء، نجد مشكلة مستمرة بكل أبعادها الفكرية والثقافية والعمرية، فالاختلاف الكبير بين الأعمار، يولد مسافات مُتباعدة من الأفكار بين الجيلين، ومن هنا يبدأ صراع الأجيال.
صراع الأجيال مابين آراء الأبناء والآباء والمتخصصين.
يقول أحمد حسن الطالب الجامعي صاحب الـ 21 عام، «من وجهة نظري أنا أري بأن الأهل هم السبب في هذا الأمر، لأنهم لا يسمعون إلا لأنفسهم ولا ينظرون إلا لأرائهم، ولا يرونا سوا أشخاص لا قيمة لهم، وغير قادرين علي مواجهة أعباء الحياة، وتحمل مسؤولية أمورنا، وإننا مازلنا صُغار، وهذا ما يجعلنا لا نصارحهم بأمور كثيرة، لأنهم لا يستطيعون أن يفهموا ماذا نريد، ودائما ما نجد منهم اعتراض علي كل شيء بدون مناقشة، ولا نري منهم أي تجاوب معنا إطلاقاً، ولا يتفهمون طبيعة عصرنا الحديث وحياتنا الجديدة، التي تختلف تماماً عن حياتهم القديمة ».
أما طلعت خيري وهو أب لأربعة أبناء ويبلغ من العمر 42 عاما، فيقول، التعامل مع الجيل الجديد صعب ومُرهق جداً، لأنهم لا يحاولون حتى سماع وجهة نظرتنا تجاه أي شيء يُناقشونا فيه، ولا يقتنعون بأننا نحاول أن نربيهم علي الأصول التي نشأنا وتربينا عليها، وأن كل شيء نقوله يعتبرونه خاطئاً، مضيفا، أري أن التكنولوجيا الحديثة والحياة الإلكترونية هي السبب الرئيسي في ذلك، والتي تجذبهم بأن يقضون عليها مُعظم أوقاتهم، مُعتقدين أنها أفضل شيء علي الإطلاق، ولكنها في الحقيقة، لا تجعل منهم سوي أشخاص مُتعصبون ولا يحترموننا .
ويري أحد المتخصصين في علم الاجتماع أن السبب الرئيسي في عدم التواصل الجيد بين الآباء والأبناء ووجود فجوة بينهم، يبدأ من الصغر بسبب عدم تهيئة الأطفال لهذه المرحلة قبل وصولها، وعدم الوقوف بجوارهم ومعرفة ما يدور في أفكارهم في صُغرهم، بالإضافة إلي عدم فهم طبيعة واحتياجات هذه المرحلة من جهة الآباء، وعدم الاعتراف بتطور وتغير العصر الحالي عن ما سبقه من العصور التي عاش فيها الآباء والأجداد .
ومن ناحية آخري، قال متخصص في علم النفس أن الاستماع للأبناء في تلك السن، يعتبر بمثابة بداية الحل لمعظم مشكلاتها، فالأبناء لا يُريدون سوا أن يستمع إليهم الآباء جيداً، ويعرفون منهم وجهة نظرهم ويناقشونهم بهدوء، كما يُريدون أيضاً تجربة الاعتماد على النفس والخروج من سلطة وقانون الآباء الذي يتسبب لهم الكثير من الخنقة والضيق وعدم الحرية، وأن يتخلص الآباء من طريقة النصح المُصاحب دائماً بالتعصب، وعدم توجيه أوامر لهم بطريقة مُتزمرة ومُتشددة .
ما هو صراع الأجيال وما هي أبرز أسبابه؟
يعرف علماء النفس واستشاري التربية الاجتماعية والعلاقات الأسرية صراع الأجيال: بأنها ظاهرة اجتماعية ثقافية تُعاني منها أجيال المجتمعات، وهي عبارة عن صراع أيديولوجي بين جيلين، جيل قديم كلاسيكي محافظ، وجيل جديد يدعو إلى الحداثة والمعاصرة.
وقد حدد بعض الأخصائيين في مجال العلاقات الاجتماعية الأسباب الأساسية التي تسببت في ظهور تلك الفجوة ومن أهمها:
– المستجدات المعاصرة، حيث أصبح جيل الشباب يواجه بحراً متلاطماً بالأفكار والرغبات والتحديات، وهذا ما يسبب لهم ضغط نفسي كبير، ويستلزم ذلك تكثيف الجهود التربوية والتوعية والمزيد من التفهم لمعاناتهم ومشاكلهم.
– غياب الثقافة النقاشية، وأدي هذا إلي افتقار الحوار الهادئ والمُجادلة بالتي هي أحسن، مما زاد في اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء.
– أسلوب الانتقاد، والذي يستخدمه الكثير من الآباء، فالانتقاد لا يولد إلا العند والتمادي في الخطأ، وخاصة إذا كانت بصورة تحقيرية أو استفزازية، حيث يجب الاعتماد علي أسلوب التوجيه والنُصح اللين، لكي يجدوا من أبنائهم الطاعة المُطلقة، وذلك من أجل نجاح المسيرة التربوية وخلق جو من التفاهم المُتبادل.
– التنشئة الاجتماعية السلبية التي يخضع لها الأب والأم منذ الصغر والتي تكرس القيم والعادات الاجتماعية دون إبداء أي رأي أو حوار بين الآباء والأبناء.
– ضغوطات العمل والمُتطلبات الأسرية المُرهقة للوالدين التي تجعلهما يهملان تتبع وتربية الأبناء.
– سلوكيات عشوائية متأرجحة من قبل الوالدين في التربية بين التسلط والتساهل أو بين النبذ والحماية المفرطة.
– وجود مغريات كثيرة حول الأبناء تمنعهم من التواصل والحوار مثل الانترنت والموبايل والتلفاز، فأصبحت في كثير من الأحيان طريقة التواصل بين الأخت والأخ من نفس البيت ومن غرفة إلى أخرى عن طريق الانترنت.
– التحدث القليل من الآباء لأبنائهم وغالباً ما يكون تأنيباً أو صراخ أو أوامر مما يجعل الأسرة متوترة ومشحونة وتفقد الحوار بينهم.
– ضعف شخصية بعض الآباء والأمهات وجهلهم بالعلم وعدم قدرتهم على الحوار مع أبنائهم خاصة مع متطلبات العصر الموجودة عندهم.
– وجود فجوة كبيرة بين الأبناء والآباء يجعل الآباء لا يفهموا احتياجات أبنائهم فيصلوا إلى طريق مسدود، فالأم لا تفهم ابنتها والأب أيضاً لا يفهم ابنه.
– الخلافات والمشاحنات بين الأم والأب فأحيانا المشاكل مثل الطلاق أو الانفصال يكون سبب في عدم التواصل بينهم.
– كثرة التغالي في متطلبات الأبناء الزائدة عن قدرة الآباء، مما قد يؤدي إلى عدم استجابة الآباء وهروبهم من النقاش في هذه الأمور.
– خوف الأم أولاً ثم الأولاد من طرح بعض المشاكل والأفكار والتواصل والحوار مع الأب مما يؤدي إلى السكون دائما فيخلق انعدام للتواصل.
– الفجوة العمرية، والتي تُعتبر أكثر الأسباب التي تؤثر في العلاقة بين الآباء والأبناء، وهذا بسبب تغير الزمن الذي عاش فيه الآباء عن زمن الأبناء، وتسبب هذا في ضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي بين الآباء والأبناء.
المخاطر الناتجة عن صراع الأجيال وبعض النصائح لتجنبه.
ذكرت رولا خلف خبيرة العلاقات الأسرية ومشاكل الشباب بعض المخاطر الناتجة عن هذه الفجوة قائلة: أن عدم التواصل بين الآباء والأبناء ينتج عنه الكثير من السلبيات ومن أخطرها:
– تفكك في العلاقات بين الأسرة الواحدة.
– انتشار البغض والحقد بين الأفراد.
– انعدام الثقة بين أفراد الأسرة.
– انقطاع صلة الرحم في الكبر.
– عدم إصغاء الأم والأب للطفل يجعله فريسة لأصحاب السوء، للتنفيس عما بداخله مما يؤدي إلى الضياع والانحراف.
– يجعل الأسر متوترة ومشحونة دائماً.
– خلل وصدام وخصام بدلا من التفاهم والتودد والتكامل بين الأفراد.
– عقوق الأبناء للآباء واتخاذهم وجهة معاكسة لما يتمناه الآباء مما يؤدي إلى فشل في التربية الأسرية.
– إقامة حواجز بين الآباء والأبناء وهذا خطأ فادح يفوت على الآباء فرصة تتبع أبنائهم ومساعدتهم بما يعترضهم من صعاب وانعدام التوجيه التربوي.
– فكرة اللوم والاتهام تفقد أفراد الأسرة روح حب المناقشة فيتهربوا من الحوار والاتصال معاً حتى لا يدخلوا في دوامة الاتهام واللوم.
واستكمالاً لحديثها، أضافت بعض النصائح لتجنب هذه المخاطر، وكان من أهمها:
– الحرص على حسن العشرة بالمعروف والحرص على أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق فيؤدي الآباء ما وجب عليهم تجاه الأبناء ويبذل الأبناء والجهد فيما فرض عليهم واجبات الإحسان للأهل.
– إعادة وسائل التواصل بين الأسرة مثل التربية الأخلاقية، والتعاون، والجلوس على مائدة الطعام معاً على الأقل وجبة الغذاء أو العشاء التي فقدت في أغلب البيوت في وقتنا هذا، ومرافقة الأب لأبنائه في الذهاب إلى المسجد معاً أو لبيت الجد والجدة أو زيارة الأقارب والأهل أو لشراء بعض الأشياء أو الرحلات، ومراجعة الآباء الدروس مع الأبناء، واغتنام الفرص المناسبة للتودد والتقرب والتحبب كالأعياد والمشاركة في المسرات.
– استثمار التباعد الذي يحدث بسبب سفر أو عمل بعض أفراد الأسرة بالرسالة msg أو بالهاتف أو E-mail فيوفق الآباء في التواصل مع الأبناء والتقارب بينهم.
– عقد مجلس اسري كل أسبوع لمناقشة شؤون كل أفراد العائلة والمشاركة الفعالة والتسامح وإبداء النصائح لبعضهم مما يجعلهم ينتظروا هذا اللقاء.
– اختيار الوقت المناسب والأوقات المناسبة في الحوار والتواصل مع الأبناء مثلاً في المساء أو عند اجتماع العائلة في غرفة الجلوس أو على مائدة الطعام أو قبل النوم.
– تهيئة الجو المناسب للتواصل والحوار في الأسر له إيجابياته ويترتب عليه مهارات كثيرة منها، تعلم آداب الحديث، وعدم رفع الصوت أثناء الحوار، وتعليم الأبناء التحليل والتفكير، وإعطاء الثقة بالنفس وعدم الخجل، وتقبل الآخرين وعدم التسرع في إصدار الأحكام، وتقليل المقاطعة قدر الإمكان وحسن الاستماع، وعدم التلفظ بألفاظ غير لائقة، والحرية في طرح الآراء واحترام آراء الآخرين.
– إنصات الآباء لحديث الأبناء وفهم مشاكلهم والاستماع إليهم ومناقشتهم بأسلوب مرن ومناسب لعقولهم وعدم إهمالهم يزرع الثقة في نفسهم ويجعلهم يتكلموا بصراحة مع آبائهم.
اقتراحات خارج الصندوق لحل المشكلة.
يقترح بعض المُهتمون بمجال الإرشاد والصحة النفسية، أن يتم من خلال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، وخاصة الإلكترونية المتطورة، والتي أصبحت متاحة لجميع أبناء الجيل الجديد، أن يرسلوا رسالات قصيرة إلي أبناء الجيل الجديد تحثهم علي أن يعملوا علي التوفيق بين اتجاهاتهم الشخصية وبين العادات والتقاليد وأعراف المجتمع، وأن يحرصوا علي إرضاء الآباء ويدركوا أن كل تصرف من آبائهم ما هو إلا لمصلحتهم وتحقيق رغباتهم وتلبية احتياجهم، ولكن بحرص شديد وبعقلانية مختلفة نوعاً ما عن ما يفكرون به، وبشيء من التنازلات من قِبل كل طرف منهم حتى يحل التجاوب والتفاهم والرضي والقبول من كلا الطرفين.
توعية الآباء
وفي نهاية الأمر، يجب علي الآباء قبل أن يربوا أبنائهم، إدراك أنهم يصنعون أمة كاملة، وأن بين أيديهم أجيالاً يحتاجها المجتمع أسوياء، لكي يستمر في التطور، وليكونوا منارة له في المستقبل، ولا يتم هذا إلا بسواعد الأبناء وتعاون الآباء، ليكونوا خير خلف لخير سلف، وليرفعوا أسم وطنهم عالياً، وليكن حبه في قلوبهم قبل أن يكون كلمة يُرددونها علي ألسنتهم.