التعليم في مصر مأساة عمرها سنوات طويلة امتدت منذ ثورة يوليو وحتى اليوم ودفع ثمنها الملايين من الخرجين الموصومين بالأمية حتى إن بعضهم يخطأ في اللغة، وتحولت هذه الجيوش إلى عبء على القوى العاملة، وبالطبع انطبق عليهم المثل«أسمع ضجيجاً ولا أرى طحيناً» الأمر الذي أرهق ميزانية الدولة.
الدول المتقدمة تعليمياً لها سياسات واضحة، ولكنها سياسة وإستراتيجية دولة وفقاً لخطط تمتد لسنوات مقبلة يضعها خبراء ومعنيين ذات أهداف قصيرة وأخرى طويلة وفق نظام تدريجي ومتراكم، ويأتي دور الوزير منفذا لتلك السياسة وداعما لها ومطورا إن أمكن.
أما حكايتنا في مصر فإنها اعتمدت طوال سنوات عجاف على نظرية «انسف حمامك القديم» ويأتي كل وزير ليهيل التراب على إنجازات من سبقه ويبدأ تجربة جديدة متفردة من وجهة نظره، مهدرا جهود من سبقوه ومضيفا عبء على خزينة الدولة بالملايين، وبدلاً من أن يستكمل البناء يدمره ليبدأ من الصفر، الأمر الذي أخضعنا كثيراً لفكرة التجارب واستنساخ تجارب مشوهة من هنا وهناك لتطبيقها دون دراسات كافة؟
ونظرية التطوير غير المدروسة أو المنظمة أو التي لا تعتمد على خطط تتوافق مع الإمكانيات تعرض لها طلاب الصف الأول الثانوي، حيث وجد الطلاب أنفسهم فجأة أمام «تابلت» مصاب بالسكتة القلبية، وأمام نظام تعليمي مختلف لم يتدربون عليه بما يكفي، وأمام مدرس مازال يجهل أصول العملية التعليمية الجديدة.
ووسط هذا الارتباك الشديد وهذه السماء الملبدة بالغيوم، خاصة بعد رسوب الوزارة في اختبار السيسم لمرتين متتاليتين ونحن على أبواب امتحان أخر العام، فإن الهلع والخوف أصاب الطلاب وأولياء الأمور من ردود الفعل الغير مسؤولة من قبل الوزارة التي استخدمت المسكنات دون تقديم دلائل حقيقية تؤكد صحة ما يرتكبون في حق ألاف الطلاب.
قرارات وتصريحات الوزير التي باتت حديث المصريين داخل مصر وخارجها، خاصة وأن القرارات العنترية طالت أبناؤنا في الخارج ونسجت حولها القصص والحكايات مفادها تشتيت الأسر والتأثير على مستقبل الأبناء دون تأكيد أو نفي من قبل الوزارة.
وزير التعليم اجتهد وأعد خطط مثالية، لكن المشكلة دائما تكمن في آليات التنفيذ التي لا تقل أهمية عن الخطة نفسها وتتحكم في نجاحها أو فشلها، وما حدث من أخطاء تنفيذية أصاب قلوب وأكباد أولياء الأمور بسهام الإحباط والخوف من الفشل.
باختصار الوزير له ثواب الاجتهاد ونحن لا نشكك في نواياه، لكن نتائج هذا الاجتهاد لا تبشر بالخير، وخلقت رد فعل معادي لدى الشارع المصري، وأصبحت حديث المصريين جميعا، ورصدت عشرات الصفحات التعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي صرخات المتضررين، وبات مطلب الجميع واحد.. أقيلوا وزير التعليم يرحمكم الله.