المتاجرة بالفقراء والمساكين والمحتاجين بدعة شيطانية، الدين منها براء، وأصحابها مذنبون وصدقاتهم مشكوك فيها كونها ليست خالصة لوجه الله وإنما يتستر خلفها أهداف دنيوية أبسطها جلب مسميات و صفات على صاحبها لا يستحقها بالطبع مثل رجل البر والتقوى وصاحب الأيادي البيضاء وكاسي العراة وفاتح بيوت اليتامى وغيرها من المسميات التي يمكث كهنة الشيطان لإصباغها على من يدفع وتبقى الحقيقة المؤلمة أن الغافلون استبدلوا التجارة مع الله بالتجارة الدنيوية الخاسرة.
الأمور تبدلت والأحوال تغيرت والصدقة الآن باتت تنتظر عدسات التليفزيون ووسائل الإعلام لتدشين انطلاقها للفقراء والمساكين وغوث الملهوفين في بقاع الأرض، والمؤسف حقاً أن تلك البدعة السيئة سنها ملوك ورؤساء وأمراء يرسلون صدقاتهم وإعاناتهم لدول منكوبة، أو يقومون بتوزيع زكاة رمضان وكسوة العيد وغيرها، وعلى خطى الركب يسير عشاق الشهرة من بعض رجال الأعمال والفنانين وحتى الراقصات، أما نواياهم الحقيقية فهي داخل قلوبهم ولا يعلم السرائر إلا الله.
وتنموا هذه الظاهرة في شهر رمضان المبارك من كل عام في محاولة من هؤلاء لغسل النوايا وتطهير الثوب على أمل أن تنقذهم دعوة محتاج أو مظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وتتجلى الظاهرة في موائد الرحمن ودور الأيتام والملاجئ وجميع أنواع الصدقات العلانية ومن قبلها توزيع بطاطين الشتاء والعلاج، نحن لسنا ضد الصدقات ولا ضد عمل الخير ولا ضد مساعدة الآخرين ورفع المعاناة عن كاهل المحتاجين..لكن إتمامها في السر وصون الأسر المتعففة أفضل ملايين المرات كما أنها تعطي أفضل النماذج على التراحم في الإسلام.
والأمر الأكثر أسفا أن بعض دور الأيتام التي تتلقى التبرعات تدفع الملايين من أموال الصدقات لفنانين بهدف الدعاية للدار والدعوة للتبرع متناسين أن المتبرعين الذين أودعوا صدقاتهم عندهم في الخفاء وجهوها لأهداف نبيلة ولحالات بأعينها فلا يجوز إنفاقها في غير ما أودعت له وإلا فإنها خيانة للأمانة وإهداراً لها.
الإنفاق على الفقراء والمساكين سنة إسلامية حميدة وركن أساسي في كل الأديان السماوية أصلها الخفاء في الإنفاق ابتغاء وجه الله وطيب المال المتصدق منه والنية، وأصلها في الإسلام قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 261، 262
وأن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة؛ كما في حديث عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرئ في ظلّ صدقته حتى يقضى بين الناس»، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»؛ أخرجاه في الصحيحين.
وتبقى كلمة: الصدقة في الخفاء جواز مرور إلى جنة عرضها السموات والأرض في ظل عرش الرحمن..أما صدقات المؤتمرات وشاشات التليفزيون ومتابعة وسائل الإعلام فإنها بدعة وأول الطريق إلى الهاوية…عودوا إلى تعاليم الدين السمحة يرحمكم الله.
نبضة قلب: أجمل ما قرأت بحق الممتنعين عن الصدقات
تَراني مُقْبِلاً وتَصُدَّ عنِّي؟
كأنَّ الله لمْ يَخلُقْ سِواكَ
سَيُغنيني الذي أغناكَ عنِّي
فلا فَقْرِي يَدُومُ ولا غِناكَ