نون – محمود علام
أصدرت مؤسسة أونيكس للتواصل الفكري «إعلان ويلز حول الدين والمواطنة وسبل تعميق الروابط بينهما»، الذي تم توقيعه من ممثلي الأديان السماوية والمعتقدات البشرية في بريطانيا في ختام الدورة الثانية من مؤتمر ويلز لحوار الأديان الذي نظمته المؤسسة في مدينة نيوبورت بمقاطعة ويلز البريطانية وسط حضور نوعي كبير من الباحثين والمهتمين بموضوع «الدين والمواطنة».
وتضمن إعلان المؤتمر حول الدين والمواطنة اتفاق ممثلي الديانات والمعتقدات الحاضرين للمؤتمر على أسس موضوع الدين والمواطنة ضمن مجموعة من المبادئ الهامة ومنها :
إن الأديان والمعتقدات لديها اهتمام جذري بالمجتمع من خلال العناية بالأسرة وسلامتها وتحقيق السعادة لأفرادها نظراً لما تتضمنه هذه الديانات من قيم وأخلاق مشتركة تم اختبار ثباتها عبر التاريخ، وعليه يمكن فهم موضوع المواطنة على ضوء النظام الأسري كما يلي:
إن القيم التي تبنى عليها أواصر الأسرة وانضباطها الأخلاقي والتزام أفرادها بالمسؤولية الجماعية يمكن أن تشمل تقوية الصلات الاجتماعية وانضباط المجتمع ومراعاة المسؤولية المدنية.
إن الشخص الملتزم باعتقاده الديني الخاص أي الذي يراعي القيم التي تبنى عليها سلامة وسعادة الأسرة والمجتمع هو بالضرورة مواطن صالح، ومثل هذا المواطن سيحترم حقوق الآخرين، ويعاملهم كما يعامل نفسه، ويلتزم العيش بسلام مع الجميع، ويراعي مسؤولياته المدنية، ويشارك في الأعمال الخيرية التي ينتفع بها الجميع.
وأكد الموقعون على الإعلان أن توافقهم على هذه المبادئ سيعزز الالتزام الجماعي بالمسؤولية المدنية والتعاون لما فيه الخير للجميع، وترابط المجتمع وتحركه كوحدة تواجه تحديات العيش والمشاركة الفاعلة في العملية الديمقراطية والتعاون في الحفاظ على البيئة .
وكان المؤتمر الذي عقد الأربعاء الماضي قد افتتح بكلمة ألقتها جين هت نائبة رئيس حكومة ويلز ركّزت فيها على أهمية مثل هذه المؤتمرات وضرورتها في مثل هذا الوقت بالذات إذ تتيح المجال لالتقاء مجموعة من الباحثين والفاعلين للحوار معاً رغم اختلاف الأرضيات العقائدية والفكرية لهم من أجل البحث عن الأسس المشتركة، مضيفة إلى أن مثل هذه المبادرات تساهم في كسر الحواجز ومحاربة عناصر الشك والكراهية والتطرف.
وأشادت هت بمؤسسة أونيكس وجهودها عبر المؤتمر الأول في العام الماضي 2018 الذي ناقش القيم المشتركة في الديانات والذي يواصل دوره الناجح خلال الدورة الحالية مستذكرة الجهود التي تقوم بها حكومة ويلز في مبادرات حوار الأديان منذ العام 2001.
كما قدم مدير عام مؤسسة أونيكس الدكتور عبدالله ياسين تصوراً نظرياً لموضوع المواطنة وعلاقتها بالدين من خلال ورقته البحثية التي ركز فيها على إمكانية صياغة مفهوم المواطنة من منظور أخلاقي عبر ثلاثة مفاهيم أساسية هي الحرية والعدالة والديمقراطية، حيث يرى أن مطلق الحرية قد تقود إلى الفوضى لهذا لا بد من النظر إليها من منطلق أخلاق الفرد والتزامه الأسري والاجتماعي بحيث لا يؤدي ذلك إلى التعدي على الآخرين في معتقداتهم وأفكارهم وممتلكاتهم، أما فيما يتعلق بالعدالة، فهو يرى أنه من السهل الاعتماد على القانون في توفير قدر من السلامة لأفراد المجتمع لكن الأخلاق تضمن كامل السلامة عبر الوازع الداخلي من دون إهدار للمجهود المادي أو البشري، والأمثلة كثيرة في المجتمعات التي تقوم على احترم أسس وأخلاقيات الحياة الاجتماعية والتعايش الأسري عبر بنيتها الدينية أو الاعتقادية، أما الديمقراطية وخصوصا في المجتمعات التي تتغنى بها فيرى الباحث أنها ربما تنطوي على شيء من القسوة على الآخر بسبب النظرة الضيقة للمنفعة الفردية أو منفعة الحزب، ولكن إذا قامت هذه الديمقراطية على مراعاة الصالح العام والتعاون لتحقيقه فإنها ستكون مفيدة للحكومات والمواطنين معا.
وشهدت الجلسات الأخرى للمؤتمر أوراق عمل وبحوث متخصصة قدمها القس د. مارك ديموند ممثلاً للديانة المسيحية، والباحث هارديب سينغ عن طائفة السيخ إضافة إلى كلمة عبر الفيديو من الهند للباحثة نيتا بيشر الناشطة في مجال حوار المعتقدات والديانات في مقاطعة ويلز.
كما تناول الباحث المتخصص بالبهائية فيفيان بارتليت موضوع المواطنة وقيمها عند البهائيين المنتشرين في شتى أنحاء العالم.
أما الباحثة د. سيباني روي فقد تناولت الموضوع نفسه من خلال القيم الخاصة بالهندوس، وقدمت الباحثة جيما ثومبسون رؤيتها للمواطنة من وجهة نظر اللادينيين أو طائفة البيغان، وشهدت الجلسات المسائية مجموعة من الباحثين من بينهم الشيخ الأزهري محمد طلبة الذي تناول موضوع الإسلام والمواطنة، والقس بن ابراهامسون عن المواطنة في الدين اليهودي مع الأخذ للنموذج البريطاني في ذلك، واختتمت الجلسات بممثلين عن البوذية ورؤية تعاليمها بهذا الخصوص قدمتها نالجوراما خاندرو.
وتعد مؤسسة أونيكس للتواصل الفكري المنظمة للمؤتمر ضمن المنظمات غير الحكومية في مقاطعة ويلز، التي تنشط في مجال المؤتمرات وحوار الأديان ومكافحة التطرف الفكري، وقد أقامت مؤتمرها الأول العام الماضي 2018 حول موضوع القيم الأخلاقية المشتركة التي تجمع الديانات والمعتقدات.