على الرغم من اقتراب شهر رمضان المبارك والذي اصبح على مشارف ساعات قليلة من الآن، إلا أن بهجة الشهر الكريم لم تأت كما كانت في الماضي، حيث كنا نعيش رمضان قبل قدومه مع بداية ظهور هلال شهر رجب، حيث تتزين القلوب والبيوت بقيم وتقاليد رمضان..!، الآن اصبح البعض يتفاجئ بقدوم الشهر الكريم أو يعلم به من كم إعلانات وسائل الإعلام عما سيتم عرضه من أعمال درامية للتسلية خلال الصيام ..
والسؤال..لماذا تراجعت بهجة الشهر الكريم..هل اسلوب حياتنا الذي افسدته التكنولوجيا الحديثة والسعى وراء المادة وما تعانيه فئات مجتمعية من اختلال منظومة القيم والتي معها اصبحت الإخلاق في حد ذاتها “موضة قديمة” هي السبب في هذا الحال، أم أن السبب يعود إلى الإعلام وما قام به من إفساد للوعي بما يبثه من مواد ترفيهيه تحول معها الشهر الفضيل إلى موسم وسباق بين الأعمال الدرامية التي بعضها لا يرقى للعرض من الأساس..!، أم السبب التعليم وما اصبح عليه من تدني مع تراجع مماثل لدور المعلم الذي اصبح لا يكتفي “بالشاي والكيك” بل تحول إلى غناءالمنهج الدراسي على الطلبه لطلابه، أم ماذا ..؟!
في اعوام ماضية ليست بعيدة انتشرت موائد لإفطار الصائمين في الشوارع والميادين الرئيسية، والتي كانت تستهدف فعل الخير وحصد الثواب، إلا انها مع الوقت تحولت إلى وسيلة للشهرة والترويج لاصحابها..!، أي تحول الهدف من رضاء الرب إلى رضاء العبد بكل اسف، حتى يصبح في نظر الآخرين رجل البر والتقوى، ومن ثم الفوز بعضوية المجالس النيابية يكون مضمون ومتاح..! وهو ما فطنت له الأجهزة الحكومية وقتها وقررت الحد من انتشار هذه الموائد وأن تقتصر فقط على اماكن لا تتسبب في تعطيل الشوارع وحركة المرور..مع إمكانية “التفويت” للمرضي عنهم..!!
أم تراجع البهجة يعود لإختفاء اسباب البهجة ذاتها.. وأقصد هنا الشيخ النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار، وإمام الدعاه الشيخ الشعراوي أم غياب المداحين الكبار الذين كانت تلتف حولهم الجماهير بمختلف ثقافتهم يستمتعون معهم بالإنشاد الديني، أم توقف ورحيل مبدعين ساهموا في دعم البهجة بين أرجاء المجتمع بمختلف فئاته، سواء مخرج العرائس الراحل محمود رحمي ، أم غياب الراحل العبقري المخرج فهمي عبد الحميد، أم المبدعة د. منى أبوالنصر أم المسحراتي المعروف بالموسيقار سيد مكاوي، أم رحيل يونس شلبي ومحمود عبد العزيز ، أم ماذا …؟!!
الآن.. مع عدم تواجد ايقونة رمضانيه صانعة للبهجة، هرب الكثيرين بأبناءهم إلى ما يذكرهم بهذه البهجة حتى يستشعروا معهم ما تبقى منها، سواء بمشاهدة الأعمال الدرامية القديمة وخاصة المسلسلات الدينية التي نتسمع لتتراتها الآن تلتهب مشاعرنا بالحنين معها أو الاستمتاع بالتواشيح الدينية أو دروس الدينية للشيخ الشعرواي.
لقد ساهمت الكافيهات والخيام الرمضانية والسفه الإعلامي وما به من مظاهر سلبية في تبلد الإحساس لدى الأجيال الجديدة، فاصبح رمضان بالنسبة لهم شهر تدخين الشيشه والسهرات حتى مطلع الفجر، ومشاهدة الرقص وغيره من المظاهر التي لا تتوائم وقدسية الشهر الكريم.. فكيف تطالبه بان يستشعر أجواء وروحانيات شهر رمضان، وهو لا يدرك الشهر ذاته ولا يعلم عنه شيئَا سوى أنه شهر التبرعات والأعمال الدرامية الفاضحة في بعضها سواء بافكارها المتخلفة أو بإلفاظها التي تخترق وجدان المشاهد..
اتصور أن الحل .. أن نقوم نحن بالحفاظ على رمضان ودعمه بين قلوب ابناءنا بأنفسنا، ونزرع في داخلهم روحانيات وطقوس هذا الشهر الذي نحمل له بداخلنا الكثير من الذكريات، علينا أن نجعل بيوتنا تعيش رمضان الحي في قلوبنا، طالما فشلنا كمجتمع في القيام بذلك، مثلما فشلنا في وقف حاله الإنهيار الإخلاقي التي اصبحنا نعاني منها في الوقت الحالي، للاسف نحن اصبحنا نعيش على بقايا بهجة الماضي، وياليت ننجح في انقاذها من الضياع، فهي الآن تصارع للبقاء. ونقول وقتها بكل حنين “الله يرحم زمان وأيام زمان”..!!