كان طبيعياً أن يشعر النظامان التركي والإيراني بالقلق تجاه خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوضع التنظيم العالمي لـ “الإخوان المسلمين” على لائحة الإرهاب، في خطوة تعقب وضع “الحرس الثوري” الإيراني على تلك اللائحة.
ويعرف العالم كلّه أن الحزب الحاكم في تركيا الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان هو حزب “إخواني” وأن تركيا تُعتبر معقلاً لقيادات “الإخوان” العرب وغير العرب، خصوصاً المصريين الذين اتخذوها منصة لقصف وطنهم يومياً بمئات التهم التي تهدف إلى خلخلة المجتمع المصري وزرع أفكار التشكيك بقرارات الدولة. وليست بعيدة من ذاكرة المتابعين إشارة “رابعة” التي يرفع أردوغان يده بها في مناسبة أو في غير مناسبة ليؤكد أنه حامي حمى “الإخوان” المصريين وأنه يقودهم إلى حكم مصر ضد إرادة جيشها ورغبة شعبها، ونكاد نقول إن الرئيس التركي يفقد الحد الأدنى من المنطلق حين يتناول الشأن المصري، بحيث يبدو كلامه أشبه بهذيان.
أما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فينطق باسم النظام الحاكم في طهران حين يعتبر واشنطن غير مؤهلة لتصنيف “الإخوان” أو غيرهم. وهو يعرب من الدوحة عن قلق المرشد والرئيس على “الإخوان”، لكونهم الحلفاء غير المعلنين لرجال الدين الحاكمين في طهران، بل إن خامنئي بالذات الذي ترجم مؤلفات سيد قطب إلى الفارسية يعرف جيداً أن “الإخوان” يشكّلون ذريعة غير شيعية لإقامة نظام إسلامي شيعي فارسي في طهران. وتبدو هذه الذريعة كنزاً ضرورياً بل نادراً، في هذه المرحلة التي تتجه فيها الشعوب العربية والإسلامية للتخلص من عبء إسلام سياسي أساء إلى الإيمان الإسلامي، وأدى إلى مظاهر جهادية مبالغ بها، تمثّلت في “القاعدة” و”داعش” وأشباههما، استعدَت العالم على المسلمين، كما أضرّت بمصالحهم وبعلاقاتهم مع الآخر أفراداً وجماعات ودولاً.
وما يجمع نظامي أنقرة وطهران هو قدرتهما على دمج غير معلن بين الإسلام السياسي والعصبية القومية، فحكّام أنقرة ينظرون بنوع من الاحتقار إلى المسلمين غير الأتراك، وكذلك حكّام طهران الذين يحلمون بالسيطرة على العالم الإسلامي مصحوبة بسيطرة العنصر الفارسي.
سيواجه ترامب صعوبة داخل الإدارة والكونغرس للتوصّل إلى وضع “الإخوان” على لائحة الإرهاب، ذلك أن واشنطن ومعها عواصم أوروبية كانت في عهد باراك أوباما، وفي عهود سبقته، اعتبرت “الإخوان” ذراعها الضاربة ضد الكتلة السوفياتية، ثم اعتبرتهم المؤهلين للحكم في العالمين العربي والإسلامي، ظنّاً منها أنهم معتدلون، وبالتالي قادرون على الحدّ من التطرّف الإسلامي وعنفه المتمادي. لكن واشنطن وغيرها من عواصم الغرب اكتشفت أن “الإخوان” هم مؤسسو الإسلام السياسي، ومن كياناتهم المتعصّبة انبثقت وتنبثق جماعات العنف. وها هو الغرب يبدّل رأيه ويعكف على الإعداد للحدّ من نفوذ “الإخوان” وسطوتهم، الأمر الذي يتطلّب فتح ملفات سياسية وقانونية واقتصادية، باعتبار أن “الإخوان” حاضرون في مؤسسات متعددة الجنسيات بدأ بعضها يفلت من عيون الرقابة الغربية، فـ “الإخوان” لم ينتظروا كلام ترامب ليدركوا أن شهر العسل مع الغرب قد انتهى وهم مقبلون على معارك واضحة وخفيّة.
ما يهمّ ترامب هو القول إنه يصحح أخطاء ارتكبها أوباما ورؤساء سابقون. لكن قضية “الإخوان” والإسلام السياسي الممهّد للإرهاب هي قضية مسلمي العالم الذين بدأوا يحضنون الدولة الوطنية ويعملون على التخلّص من إسلام سياسي مهّد للإرهاب وأساء إلى الإيمان الإسلامي أكثر من إساءته إلى أي جهة أخرى.
نقلا عن صحيفة الحياة