نون – القاهرة – ايه محمد
التَنَمُـر ظاهرة انتشرت في العديد من المجتمعات حول العالم، ويبدأ في مرحلة مبكرة من حياة الفرد، تبدأ من المدارس وتنتقل إلى المجتمع، حيث يتنمَّر القوي على الضعيف، والأكثر دهاء على الأقل حيلة، والأكثر جرأة على الخجول.
الأمر ينطبق على الفتيان والفتيات في بلدان العالم، بعضهم يخرج من التَّنَمُّر سليماً معافى وبعضهم يحمل عُقَداً في داخله مدى الدهر.
ونظرا لخطورة التنمر على حياتنا، أجرينا التحقيق التالي في المحيط الجامعي للتعرف على مدى انتشار هذه الظاهرة في الجامعات المصرية، وهل ينتقل التَّنَمُّر فعلاً مع الفرد من مرحلة الدراسة بالمدرسة إلى أن يصل للجامعة؟
بدايةً يُعَرِّف المختصون التَنَمُـر بأنه شكل من أشكال العنف بين طرفين أو عدة أطراف، وذلك في شكل تحَرُّش جنسي أو اعتداء لفظي أو بدني أو غيرها من أشكال العنف، ويعمد البادئ بالهجوم لأسلوب الترهيب والتخويف والتهديد بالقتل أو أسلوب الاستهزاء والتقليل من شأن الشخص المقابل.
بيئة الفرد
وفي سؤال طرحته عبر حسابي على (فيسبوك) في احدي جروبات تجمع الطلبة حول ما إذا كانوا قد تعرَّضوا للتَنَمُـر من قبل زملائهم في الجامعة، قال 86% من أصل 865 صوتاً إنهم لم يتعرضوا للعنف من قِبَل زملائهم، بينما قال 14% إنهم تعرضوا من قبل للتَنَمُـر من قبل زملائهم.
يرى «م.خ» طالب بكلية الهندسة، أنه لا يوجد تَنَمُـر في الجامعة وإنْ وُجِد فهو قليل ونادر ويكاد لا يُذكَر، وهذا يرجع إلى المرحلة العمرية التي يكون فيها الطالب وكونه وصل لمرحلة النضج الفكري، والعلاقة بين الطلبة محكومة في حدود الزمالة، والتخصصات والواجبات المكثفة تجعل الطالب في ضعف لا يفكر سوى في النجاح والتخرج، لاسيما وأن نظام الجامعة صعب من حيث الإنذارات والطرد وهذا مما يحد من وجود أية تجاوزات بين الطلبة.
وذكر«م.خ » أنه لا يذكر أنْ كان قد تعرَّض لتَنَمُـر من قِبَل أي من زملائه بالجامعة وإن أقصى خلاف بينه وبين زميله كان جدالاً حول موضوع ما وسوء تفاهم وانتهى الموضوع سريعاً دون أنْ يبلغ حد العنف.
فيما ترى « ش.ف » طالبة بكلية الأدب قسم لغة إنجليزية، أن التَنَمُـر موجود في كل مكان حولنا وخاصة في الجامعات، والأمر يعتمد على البيئة التي خرج منها الفرد، مضيفة أن «أسباب التَنَمُـر كثيرة منها ضعف شخصية الفرد وتسَلُّط الآباء على أبنائهم مما يخلق عُقَداً داخل الشخص تجعله يعمد لإظهار قوته تجاه الغير من الأشخاص الأضعف منه والتي لم يستطع إظهارها في كثير من المواقف على الأقوى.
وقالت إن أي سلوك اجتماعي يمكن تعديله والسيطرة عليه، وإن التَّنَمُّر يمكن الحد والتقليل منه من خلال تعليم الأفراد التسامح والثقة بالنفس، كما يجب على الآباء تعليم أبنائهم منذ الصغر ما يحث عليه الدين في التعامل مع الآخرين، والابتعاد عن أي مسلك مؤذ للآخرين لأنه سلوك مرفوض من المجتمع، وإن الشخص الذي يتعمد إيذاء الناس يصبح منبوذاً من المجتمع والأشخاص المحيطين به.
التَنَمُـر ما بين الاكتئاب والقلق
وقد أوردت دراسة طبية أميركية، حيث نُشِرت دورية جمعية الطب الأميركية مؤخراً إن الأطفال الذين تعرضوا للقهر ممن هم أقوى منهم أو اتَّصفوا بهذه الصفة عُرْضَة أكثر من غيرهم للإصابة بالاكتئاب والقلق والاضطراب والهلع لسنوات تالية.
وأضافت الدراسة أن الباحثين عرَّفوا (التَنَمُـر) بأنه سلوك قد يكون له تأثير نفسي سواء على من اتَّصفوا به أو كانوا ضحية له، لكن لم يتضح إلى متى يمكن لهذه الآثار أن تستمر.
ولكن الدراسة قالت إن «الاكتئاب والقلق المرتبطين بالتَنَمُـر خلال فترة المدرسة يستمران على الأقل حتى فترة منتصف العشرينات من العمر».
وقد ذكر الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله خبير التنمية البشرية والبرمجة اللغوية والعصبية في احدي أحاديثه عن التَنَمُـر، إن التَنَمُـر من السلوكيات الشائعة في الوقت الحاضر، وعرَّفه بأنه عنف يتعرض له الفرد من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص، وأن هذا العنف حتى يُطلَق عليه كلمة تَنَمَّر يجب أن تتوفر فيه ثلاثة شروط أساسية وهي: التكرار والتَّعَمُّد والتفاوت بين المُتَنَمر والمُتَنَمر عليه.
أسباب الظاهرة
وأضاف أن «التعرض للعنف يمكن أن يؤثر على سلوك الفرد مستقبلاً من خلال خلْق شخصية (سيكوباتية) كارهة للمجتمع وغير منتجة وانطوائية وغير قابلة للعطاء».
وتابع حديثه قائلا إن «أثر التَنَمُـر والعنف يمكن أن يمتد إلى الحياة الزوجية والعملية للفرد».
وأكد أن التَنَمُـر موجود لدى الجنسين، لكنه يكثر في فئة الذكور نتيجة نشاطهم الزائد وحركتهم ونشاط هرمونات الذكورة لديهم. وأوضح أن المجتمع له تأثير واضح في زيادة العنف لدى الذكور في المجتمع من خلال التربية والألعاب التي فيها نوع من العنف التي يمارسونها في مجتمعنا والأفكار التي يتشربها الذكر في ذهنه منذ الصغر بأنه رجل وقوي ولا يمكن الاستغناء عنه وهذا كله يمكن أنْ يخلق لديه القابلية للعنف والعدوان.
وأردف قائلا إن «التَنَمُـر يمكن أن تكون له أسباب (بيوكيميائية) نتيجة وجود خلل في المخ أو استعدادات وراثية نتيجة تعرُّض الفرد للتعنيف من قبل أفراد أسرته أو وجود نموذج للعنف في المنزل من قبيل تسَلُّط الأب أو الأخ الأكبر أو مشاهدة موقف أو حدث عنيف أثَّر على تكوين شخصية الفرد».
وقال إن «الألعاب الإلكترونية ووسائل الإعلام لها دور كبير في تكوين شخصية المتنمَر نتيجة ما يشاهده من عنف في التلفاز، وأغلب الألعاب الإلكترونية تركز على العنف والعدوان مما يزيد قابلية الفرد للتَنَمُـر وتطبيق كل ما يراه من عنف على الآخرين.
ضحايا التَنَمُـر
1 – «أ.ش» طالب بكلية التجارة عن تجربة التَنَمُـر التي تعرض لها فقال: «إنه كان يجلس كعادته في إحدى كافيتريات الجامعة مع أصدقائه وفي الطاولة المقابلة لهم كانت تجلس فتاة مع صديقاتها، وكان يدخن شيشة إلكترونية فانحرف الدخان تجاه الفتاة فقامت وبدأت تصرخ فيه ونعتته بجنسيته، وبدأت بإهانته والتقليل من شأنه أمام زملائه وأمام من كان يجلس بالكافيتريا».
وقال إنه «شعر بالاهانة وإنه لم يرض أن يبادل الفتاة بالإهانة لأنه محترم واكتفى بأن أخبر أمن الجامعة بما حدث» لأنه يثق أنهم قادرون على الإتيان بحقه وإعادة كرامته له.
2 – « ر.أ » طالبة بكلية الطب ضحية أخرى من ضحايا التَنَمُـر لكنها ضحية مختلفة لأنها تعرضت له من قِبَل زميلاتها في المدرسة حتى وصولها للجامعة فكن ينعِتْنَها بـ(أم رأس) لكِبَر رأسها نوعاً ما مقارنة بجسدها النحيل، غير أنها كانت تتجاهل ذلك رغم ما كان يسببه لها من أذى نفسي، ولتتفادى تطور الأمر خاصة وأنها كانت بمفردها وهن مجموعة.
وترى « ر.أ » أن التَنَمُـر لازمها بالجامعة إذ إنها في أول سنة لها بالجامعة تعرضت لمضايقات من قبل مجموعة من الفتيات مما جعلها تكره نفسها وتكره الجامعة.
توعية الأبناء
وتقترح مجموعة من أطباء الإرشاد النفسي بعض الحلول للحد من هذه الظاهرة، حيث يرى أحدهما أن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في كونها المكان الأول الذي ينشأ فيه الفرد، كما يجب أن يكون لديها وعي كامل عن ماهية التَنَمُـر وأسبابه وكيفية التصرف في حال وجود شخص متنمَر داخل أفراد الأسرة.
وذكر طبيب أخر «يجب أن تحرص الأسرة على توعية أبنائها ومراقبة ما يشاهدونه في وسائل الإعلام، فإذا وجدت سلوكاً عدوانياً من أحد أفراد الأسرة، تعمل على تحويله إلى طاقة إيجابية من خلال الاشتراك بالنوادي الرياضية والأنشطة الخارجية التي تقلل من هذا السلوك العدواني».
وأكد أخر على ضرورة قيام حوار بنَّاء داخل الأسرة وعدم التقليل من شأن الفرد أمام الآخرين لأن هذا يخلق نوعاً من الكُرْه للذات، والشخص الذي يتعرض لذلك سيحاول أن يجد ذاته عن طريق التَنَمُـر والعنف والاستقواء على الآخرين.