نون – نهاد المرشدى
رحل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير تاركا خلفه تلال من الفضائح والكوارث التي ستظل تلاحقه لعدة سنوات، ولم يتوقف الفساد على البشير بل طال حزب المؤتمر الوطني الحاكم، كما طال العديد من نواحي الحياة.
فقد تعددت الفضائح والفساد والتي تكشف أن الممتلكات والأصول المملوكة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم تصل إلى نحو تريليون و500 مليار جنية وفقا لمسح أولي.
وكشفت صحيفة التيار السودانية أمس الخميس، أنّ الحزب يملك نحو«5» آلاف سيارة فارهة 40% منها عربات دفع رباعي باهظ الثمن، إلى جانب شركات وهيئات ومؤسسات تتجاوز الـ3000.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحزب يملك واجهات استثمارية أخرى تستفيد من الإعفاءات الجمركية للدولة مع إرغام الجهات الحكومية على التعامل معها ضمن سياسة التمكين التي انتهجها النظام منذ بواكير تسعينيات القرن الماضي.
وقالت الصحيفة حسب التقديرات الأولية إن دور الحزب تتجاوز«1500» موقع أهمها المركز العام بالخرطوم والذي تجاوز كلفة بناء أبراجه«50» مليون دولار أي نحو«300» مليار جنيه.
وأوضحت الصحيفة أن أصول وممتلكات لمؤسسات وشركات واتحادات طلابية مرتبطة بالوطني اختفت في ظروف غامضة بينها سيارات تقدّر بالمليارات وأجهزة حاسوب وممتلكات أخرى.
وأبانت أنّ حزب المؤتمر الوطني استحوز على «189» مركزًا على مستوى المحليات بولايات السودان المختلفة وأكثر من«126» مركزًا بعواصم الولايات بجانب«1185» فرعًا على مستوى الوحدات الإدارية والمدن الكبرى.
وكشفت الصحيفة عن أنّ الأصول المذكورة لم تشمل واجهات أخرى تابعة للحزب البائد بما فيها ممتلكات الحركة الإسلامية، والمؤسسات التي تم حلها من قبل المجلس العسكري وشملت الخدمة الوطنية ـ الشرطة الشعبية والدفاع الشعبي، كما أنّ الأصول الواردة لم تشمل أيضًا الحسابات المصرفية في البنوك المحلية والعالمية.
وفي 2013 كشفت صراعات مراكز القوى في حزب المؤتمر الوطني عن فضيحة القرن الثانية والتي جاءت بعد فضيحة شركة الاتصالات.
وتتعلق هذه الفضيحة بالإسلاموي عبدالعاطي هاشم الطيب، المدير المالي والإداري لوحدة تنفيذ السدود التابعة لأسامة عبد الله، ورئيس مجلس إدارة الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء إحدى شركات وزارة الكهرباء، وفي ذات الوقت أحد ملاك ورئيس مجلس إدارة شركة (رادكو) الخاصة والتي تتولى غالبية مشتروات الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء !
وتسربت المعلومات عن فضيحة القرن بسببين أساسيين، أولها الشروع في إجراءات جنائية ضد الشريف أحمد عمر بدر في قضية بيع خط هيثرو، وهي فضيحة فساد ضخمة ترتبط ببيع سودانير إلى شركة عارف والفيحاء، وتورطت فيها مجموعة علي عثمان، وحركتها مجموعة عمر البشير ونافع مؤخراً واستخدمت المجلس الوطني ونائب رئيسه هجو قسم السيد الذي سبق وأثار قضية التقاوي الفاسدة في ذات سياق صراع مراكز القوى ضد المتعافي.
أما السبب الثاني لتسرب الفضيحة توقيع عقد بين بنك الخرطوم ووحدة تنفيذ السدود في 25 مارس 2013 بمبلغ (100) مليار جنيه لتنفيذ ما يسمى بمشاريع حصاد المياه، وهو مبلغ أسال لعاب المجموعة الأخرى وأثار حنقها، خصوصاً وأنها تعرف يقيناً أن المبلغ سيتحول إلى المصالح الخاصة لعبد العاطي هاشم وأولياء نعمته.
ويعتبرعبدالعاطي هاشم الطيب اليد اليمنى لأسامة عبد الله وزير الكهرباء والموارد المائية، عمل معه في قطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني كمسؤول مالي، ثم انتقل معه إلى الخدمة الوطنية ووحدة تنفيذ السدود.
وتتمثل أبرز مخالفات عبدالعاطي هاشم في انه أوكل مشتروات الشركة السودانية للكهرباء «قطاع عام» لشركته الخاصة، وبلغ حجم المشتروات وتحويلات العملة الصعبة (2 مليار يورو)!! وهي تحويلات شابها الفساد حيث تم تضخيم أسعار المشتروات والتلاعب بالمواصفات، خصوصاً شراء محولات صينية متدنية الجودة بدلاً عن الأوربية.
وفي 28 مارس 2013 نشر محمد وداعة مقال بصحيفة (الصحافة) تناول فيه عدداً من مخالفات عبد العاطى التي تسربت اثر القبض عليه، وصاغها «وداعة» على طريقة الأسئلة تهرباً من الرقابة الأمنية المسبقة، ومن هذه المخالفات توظيف أموال الكهرباء خارج مواعينها وبطريقة مخالفة للقانون، والمتاجرة في العملة الصعبة، وتوقيع مرابحات مع البنوك وتحويلها مباشرة لشركة (رادكو)، وتحويل (170) مليون دولار إلى الخارج بدون علم وإجراءات بنك السودان، وتوقيع عقد مع الولاية الشمالية لتنفيذ كهربة (44) مشروع كبير و(1573) مشروع صغير بتكلفة تبلغ (34) مليار جنيه واستلام المبلغ مقدماً ثم المطالبة بثلاثة أضعاف المبلغ لاحقاً .
واعتقل عبد العاطي هاشم الطيب بعد توقيع عقد بنك الخرطوم، ولكن أطلق سراحه اليوم الثاني بعد تهديد أسامة عبد الله بالاستقالة، وقال مصدر مطلع إن عبدالعاطي لم ينم في الحراسة بعد تدخل جهات عليا لصالحه!
وجدير بالذكر أن أسامة عبد الله هو الذي زوج المشير عمر البشير لزوجته الثانية وداد بابكر في عام 2005، وصار منذ ذلك التاريخ الأكثر قرباً من عمر البشير وأسرته، ووظف عقود بناء السدود والمطار الجديد «المسؤول عنه ايضاً» لصالح أسرة عمر البشير والمقاولين الذين يعملون لصالحها من الباطن.
واختارت مجموعة علي عثمان الثأر بقضية عبد العاطي هاشم في مقابل الشريف بدر، لأنها تعلم بأن عبدالعاطي وأسامة عبد الله إنما شريكين صغيرين لأشقاء وزوجة عمر البشير.
والعجيب في الأمر أن فضيحة القرن الثانية ترافقت بمحض الصدفة مع أحاديث قيادات المؤتمر الوطني عن (الحوار الوطني) و (تدشين مرحلة جديدة)، وعليك أن تتخيل حجم فساد قادة الإنقاذ وحجم الجرائم التي ارتكبوها، فضلاً عن أيديولوجيتهم المغلقة وغياب العقل السياسي وصراع مراكز القوى وضيق قاعدتهم الاجتماعية، كل ذلك يجعل من توهم أن الإنقاذ يمكن أن تتحول طوعاً إلى الديمقراطية عبط سياسي يصل إلى درجة الجنون.
وجدير بالذكر أن الفساد في الإنقاذ فساد مؤسسي وشامل يرتبط بكونها سلطة أقلية، تحكم بمصادرة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحطم بالتالي النظم والآليات والمؤسسات الكفيلة بمكافحة الفساد، كحرية التعبير، واستقلال القضاء، وحيدة أجهزة الدولة، ورقابة البرلمان المنتخب انتخاباً حراً ونزيهاً، كما يرتبط بآيدولوجيتها التي ترى في الدولة غنيمة، علاقتها بها وبمقدراتها بل وبمواطنيها علاقة ( امتلاك) وليس علاقة خدمة، وبكونها ترى في نفسها بدءاً جديداً للتاريخ ، فتستهين بالتجربة الإنسانية وحكمتها المتراكمة، بما في ذلك الأسس التي طورتها لمكافحة الفساد.
ويجد فساد الإنقاذ الحماية من رئيس النظام الذي يشكل مع أسرته أهم مراكز الفساد، كما يتغطى بالشعارات الإسلامية، ولذا خلاف ارتباطه بالمؤسسات ذات الصبغة الإسلامية كالأوقاف والزكاة والحج والعمرة، فانه كذلك فاق فساد جميع الأنظمة في تاريخ السودان الحديث، وذلك ما تؤكده تقارير منظمة الشفافية العالمية – السودان رقم (173)من(176) بحسب تقرير 2012 ، وتؤكده شهادات إسلاميين مختلفين- كالدكتور الطيب زين العابدين و صادق عبد الله عبد الماجد والدكتور حسن الترابي.
وحين تنعدم الديمقراطية، لفترة طويلة، كما الحال في ظل الإنقاذ، يسود أناس بعقلية العصابات، ويتحول الفساد إلى منظومة تعيد صياغة الأفراد على صورتها، فتحول حتى الأبرار إلى فجار، وأما أدعياء (الملائكية) فإنهم يتحولون إلى ما أسوأ من الشياطين!