نون والقلم

سامي أبو العز يكتب: حياتنا بين سيدة الكواكب والقمر المنير

في حياتنا نجوم وكواكب تهدينا في ظلمات الحياة، ونتعلق بها كلما قذفتنا الأمواج ويكتب الله لنا على أيديها النجاة مرات ومرات..لكن المشكلة أن أغلبنا على أعينهم غمامات تحول دون رؤية مصادر الإشعاع والطاقة، وللأسف لا نشعر بها إلا بعد خفقانها واختفائها من حياتنا عمداً أو قصراً.

وتبقى سيدة الكواكب «الأم» هي الملكة المتوجة صاحبة الحضن الدافئ والمشاعر الحقيقية الفياضة التي لا تتكرر في العمر إلا مرة واحدة.. إنها مصدر الحب والحنان والقوة والطريق الأقرب إلى الله وباب من أبواب الجنة.. دعواتها نبراس منير وعطفها يكفي العالم كله ويفيض على حياتنا بركة وونس وننهل ليل نهار من فيض نهر الحب، وبعد وفاتها يغلق أحد أبواب الجنة في وجهنا ويبقى أن دعواتها وبرها كنز يفتح على مصراعيه بعد وفاتها فتبقى في حياتنا كوكبا منيراً حتى وإن خفت ضوؤه واختفى.

الأب قمر منير يملأ سماء الحياة تضحية وقوة وسندا وحكمة، وإذا كان بغياب الأم تجف الروح، فإن غياب الأب يقسم الظهر ويغلق الباب الثاني من أبواب الجنة، ورغم أننا لا نشعر بتضحياته إلا أن الأمور تتضح معالمها فور رحيله وتتجسد حقيقتها عندما تتحول لأب فتذوق ما كنت تجهله وتعلم كم كنت قاسيا مع قمر حياتك وسيدة الكواكب.

وبعد الأب والأم ومن فضل الله علينا رزقنا نجوما وكواكب آخري تتلألأ في حياتنا ربما كانت أقل تأثيرا إلا أنها تزداد قوة وتماسكا وتربطنا بالواقع حتى تستمر الحياة، ليتحول الابن إلى أب والابنة إلى أم ويبدأ نهر الحب في التدفق من جديد، ويعيش الآباء على ذكرى الأجداد ويبدأ الأبناء الطريق من أوله بصورة ربما كانت مكررة أو مختلفة، وهنا يكمن بيت القصيد، فلماذا لا ننقل تجاربنا ونطور ما افتقدناه في محاولة لإكمال الصورة حتى ولو بقليل من الرتوش لتزيدها جمالا؟

مقبول أن نتندر على  الماضي تحت المقولة الشهيرة «الله يرحم أيام زمان»، والأخرى «اللي راح ما بيرجعش»، لكننا نتوقف عند هذه المقولات وغيرها صامتين لتقل جودة حاضرنا عن ماضينا ومستقبلنا عن حاضرنا دون محاولة منا للإجادة لتحسين الحاضر وجعله مشرقاً، فإن لم يكن نسخة من ذلك الماضي الجميل، فلماذا لا يكون أفضل منه بإصلاح مواضع الخلل التي مرت بنا وتحويل أماكن الضعف بها إلى قوة لنُربي أجيالاً بطريقة أفضل من تلك التي نشأنا عليها خصوصاً في ظل التقدم التكنولوجي والتقني المرعب الذي باعد بين أفراد الأسرة وحرمنا من بيت «العيلة واللمة» والقرب الوجداني والإنساني.

وتبقى في حياتنا نجوم يجب أن نعتني بها كثيراً ونحتضنها ونسهر على رعايتها لتشكل سوياً مجموعة الكواكب التي تحيط بنا وننعم في كنفها وتستقيم بها الحياة.. إنها نعم الله الجليلة القريبة منا ولا يشعر البعض بها.

انظر حولك.. فتش فيما حباك الله به من أشقاء وزوجة أو حبيبة أو أبناء أو أصدقاء أوفياء أو من تعول، إنها الكنوز الباقية في حياتك فحافظ عليها وأحسن عشرتها، فإنها الوحيدة القادرة على منحك الحياة المثالية وكل ما تتمناه.

وتبقى كلمة.. إذا كان أبواك أو أحدهما على قيد الحياة فتلك نعمة احمد الله كثيراً عليها واغتنمها واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وارفعهما على عرش قلبك وحياتك فيبقيانك ملكاً متوجاً ما دمت حياً، حتى بعد رحيلهما بفضل الله وكنوز برهما ودعواتهما لك، وإن كانت جذورك من الأرض قد قلعت فالجأ لكتف وقوة الأشقاء ضد غدر الزمان، وقلب من تحب يجنبك شقاء الحياة، وعطف من تعول خاصة من تعلقت قلوبهم بحياتك بذوراً يافعة، ويبقى ما تبقى من نجوم حياتك في أخوة ما ولدتهم أمك لكنهم أشقاء الكفاح وأصدقاء السراء والضراء لتضيء سماءك ويُزين صفاؤها كواكب لا تتوقف عن العطاء.

نبضة قلب: يا سيدتي.. قلبكِ مملكتي وجنتي.. وبدون حُبكِ الدنيا فناء.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى