مرت قبل ثلاثة أيام، الذكرى الـ23 للمجزرة الدموية التي ارتكبها الكيان الصهيوني المحتل في لبنان والتي تحمل اسم “قانا” نسبة إلى البلدة الجنوبية التي ارتكبت فيها المجزرة. أقول مرت الذكرى مرور الكرام بخجل ووجل، كما لو أن مرتكبيها قوم من الأخيار، وأن الجريمة التي ارتكبوها لطخة سوداء صغيرة في سجلهم الناصع البياض، غير أن الأرشيف يوضح أن جيش الاحتلال ارتكب أكثر من 17 مجزرة، وهذا طبعا في لبنان فقط، أما عن الجولان وفلسطين فحدِّث ولا حرج.
سميت الجريمة البشعة بـ”قانا الأولى”، لأن الصهاينة كرروا قصفهم الإرهابي للبلدة أثناء حرب “تموز 2006″، وقصفوا بناية سكنية بشكل متعمد، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 55 مدنياً معظمهم من الأطفال، مبررين ذلك بأكاذيب حول وجود منصة لإطلاق الصواريخ موجهة ضدهم. وبالتالي سميت هذه المجزرة بـ:”قانا الثانية”. وطبعاً، لا رادع للإجرام الصهيوني طالما أن “العم سام” يحمي إسرائيل كما تحمي اللبؤة أولادها.
وبالعودة إلى “قانا الأولى”، وقعت المجزرة المروعة بتاريخ 18 نيسان (أبريل) عام 1996 في مركز قيادة القوات الفيجية التابعة لـقوات “الأمم المتحدة” العاملة في جنوب لبنان، الواقع في بلدة قانا، إذ شنت قوات الاحتلال الصهيوني عدواناً عسكرياً في إطار عملية “عناقيد الغضب”، التي انطلقت في 11 نيسان وشملت مدناً وبلدات لبنانية، منها العاصمة بيروت.
وجرّاء قصف الجيش المحتلّ المتواصل، لجأ أهالي قانا إلى مقر قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل)، ظناً منهم أن جيش الاحتلال لن يقصفه، باعتبار أنه مقر دولي محمي بموجب القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، لكن يد العدوان الصهيوني لا تراعي حرمة أعراف ولا قوانين دولية.
صبيحة ذلك اليوم، قصفت قوات الاحتلال الصهيوني مقر الكتيبة الفيجية، ليستشهد بنتيجة القصف ما يزيد عن 106 مدنيين أبرياء، وأصيب نحو 150 شخصاً بجروح وعاهات وإصابات بدنية ونفسية متفاوتة الخطورة.
بداية، حاول العدو المحتل التنصل من جريمته البشعة بالادعاء أن قواته لم تعلم أن مقر الأمم المتحدة يأوي مدنيين، إلا أن التحقيقات كشفت لاحقاً أن المجزرة تمت بدم بارد وبتعليمات من القادة الإسرائيليين ومع علم مسبق بأن هناك مدنيين باعتراف الجنرال موشيه أيالون رئيس الاستخبارات العسكرية في الكيان الصهيوني.
وعلى رغم أن رئيس وزراء الكيان المحتل شمعون بيريز اعترف لاحقاً بالجريمة التي ارتكبها جيشه وأعلن تحمّله المسؤولية عنه، إلا أن الولايات المتحدة “عزّ” عليها إدانة مجلس الأمن للكيان واستخدمت حق الفيتو لإجهاض القرار، في صفعة لكل إنسان مدني بريء في العالم. ولكن هذا الأمر عموماً ليس غريباً على أميركا وعلاقتها مع الكيان الصهيوني التي هي بمثابة “زواج كاثوليكي” لا ينقطع فصامه.
ما المفارقة في ما سبق يا ترى؟، أو بالأصح ما هي السخرية السوداء؟ الحقيقة أن السفّاح شمعون بيريز، الملطخ بدماء الأبرياء من العرب في فلسطين أو غيرها منذ بدأ مشواره الدموي مع سلطات الاحتلال حتى رحيله غير مأسوف عليه، نال “جائزة نوبل للسلام” قبل سنتين من مجزرة قانا! ولعمري أن الجائزة كانت “تنتفض” اشمئزازا من ملامسة هذا “الجزار”.
سيسجل التاريخ بشاعة هؤلاء المحتلين الذين خرج أسلافهم من محرقة الـ “هولوكست” وحوّلوا كل حقدهم وحزنهم وألمهم إلى الشعب الفلسطيني، سارقين أرضه ومحتلين لها، فضلاً عن أراضٍ عربية أخرى منها الجولان، ممارسين بطشا متكرراً من دون كلل أو ملل.
لن أكرر حديثاً سابقاً عن أهمية الوحدة العربية وعن خطورة عدونا الأخطر (الكيان الصهيوني) فذلك “نفخ في قربة مشقوقة”، إنما هو نوع من أضعف الإيمان ورسالة إلى أجيالنا المستقبلية لعلها تقوم بما عجزنا عن القيام به من ردع لهؤلاء الجزارين.