نون والقلم

تدمير الأقصى الشريف قاب قوسين أو أدنى

التصعيد الإسرائيلي الأخير في الأقصى الشريف ليس عشوائياً أو وليد اللحظة ولكنه عمل مخطط يهدف إلى إجهاض الطموحات الفلسطينية والخطوات الناجحة التي ظهرت مؤشراتها في الآفاق الدولية، وباتت الهمجية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين البديل الجاهز في كل مرة تجد فيها حكومة الاحتلال نفسها محاصرة فلسطينياً ودولياً، وما يحدث من قوات الاحتلال والمستوطنين حالياً في القدس والمسجد الأقصى الشريف هو سيناريو معاد ومكرر.

فما يحدث على أرض الميدان يعكس حجم الخطر الجسيم الذي تتعرض مدينة القدس ومسجدها الأقصى، فعملية تهويد المدينة وسحق هويتها الفلسطينية – العربية – الإسلامية هي بالفعل مذبحة للهوية المقدسية دخلت في مراحل غير مسبوقة من جانب الإحتلال الصهيوني، وأيضاً باتت احتمالات هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم ماثلة أمام أعين الجميع بعدما حولتها حكومة اليمين المتطرف والجماعات التلمودية المرتبطة بها إلى خطوات عملية لم تعد موضع شك من القاصي والداني.

وهناك مقولة شهيرة لمسؤول فلسطيني بأن :«من يملك القدس يملك المستقبل، والصراع على القدس هو صراع على المستقبل بالنسبة للفلسطينيين» وهي مقولة عميقة المعنى والدلالة تفسر المسعى الإسرائيلي للهيمنة على المسجد الأقصى والتمدد الاستيطانى في مدينة القدس وفق المقولات التوراتية والذى أخذ في الآونة الأخيرة نمطاً عدوانياً غير مسبوق تجلى في القيام باقتحامات يومية سواء من قبل المستوطنين أو قوات جيش الاحتلال أو بكليهما معاً مما خلق حالة توتر داخل القدس وفي أنحاء فلسطين والوطن العربى والعالم الإسلامى تهدد بتحول ردود الفعل الفلسطينية إلى انتفاضة ثالثة.

وخطورة ما يجرى في القدس لا تقف عند حد الاقتحامات التى باتت تتكرر بشكل يومي للأقصى ولكنها تمتد إلى كافة المقدسات الإسلامية والمسيحية ومصادرة أراضي الأوقاف الاسلامية والكنائس، بينما يتم تمزيق القرآن وإحراق الإنجيل من قبل المستوطنين بالإضافة إلى تدفق أموال طائلة تقدر بمليارات الدولارات من جانب حكومات وأفراد وجمعيات سواء في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لدعم مشروع حكومة نتانياهو لتهويد القدس، الأمر الذي يؤشر إلى أن هذا المشروع يحظى بإسناد مالي خارجي كبير ومستمر.

بات ضرورياً التصدي لهذه الهجمة الشرسة من قبل حكومة نتانياهو والمستوطنين والمدعومة عسكرياً وسياسياً ومالياً وإعلامياً من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وحتى تكون كل الأمور واضحة على المائدة وفي الضوء، فإذا كانت هناك مؤسسات داعمة لإسرائيل في تهويد القدس على المستوى غير الرسمي، فهناك علامة استفهام على ما تقدمه شعوب أمتنا العربية والإسلامية للقدس وسكانها ولمساجدها وأطفالها ونسائها الذين يقفون في وجه الآلة العسكرية الصهيونية.

ولكن رغم كل ما يمكن أن يقال عن تحركات عربية لإنقاذ الأقصى والقدس إلا أنها تظل قاصرة عن مواكبة عجلة التهويد المتسارعة والجنونية والتي يبدو أنها تقود المنطقة لجحيم محتوم، وهو حلم قديم يداعب جفون عتاة الصهيونية منذ سنوات بعيدة، وليس أدل على ذلك من قول أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني الغاصب ديفيد بن جوريون بأنه « لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل » وفي الإتجاه ذاته قال أيضا إن شعب إسرائيل الذي يقف على أعتاب الهيكل الثالث،لا يمكن أن يتحمل الصبر الذي كان عليه أجداده».

ولا يختلف عن ذلك كثيراً موقف مناحم بيجين(رئيس الوزراء الصهيوني الليكودي المتطرف والإرهابي الإسرائيلي الشهير): «آمل أن يعاد بناء الهيكل في أقرب وقت، وخلال فترة هذا الجيل»، وهكذا أيضاً تحدث المتطرف مائير كاهانا (زعيم حركة كاخ المتطرفة) عندما قال:«إن أكبر خطأ ارتكبه جيش الدفاع، أنه لم يهدم المسجد الأقصى يوم دخول القدس عام 1967، ونحن مهمتنا أن نصحح هذا الخطأ ونهدم الأقصى»، وأكد على كلامه بشكل آخر إسحاق رابين (رئيس الوزراء الصهيوني الراحل) حيث قال في المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان عام 1995 أمام كل الوفود العربية المشاركة في المؤتمر – ولم يرد عليه أحد- :«جئتكم من القدس العاصمة الأبدية الموحدة لدولة إسرائيل».

ويعني ذلك أن هدم المسجد الأقصى ربما أصبح في هذه المرحلة والمراحل المقبلة قاب قوسين أو أدنى على ضوء غياب أي فعالية إقليمية أو دولية لردع العدوان الصهيوني.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى