إذا كانت المؤامرات الخارجية على العالم العربي تحاك من كل جانب، وفرضت تحديات غير مسبوقة على المنطقة، حتى باتت مسرحاً ملتهباً يومياً.. فإن المؤامرات الداخلية في العالم العربي ذاته لا تتوقف وتشكل خطورة لا تقل عن المؤامرات الخارجية لأنها لا تساهم فقط في تأجيج الصراعات واستمرارها، وإنما تستدعى تدخلات قوى إقليمية ودولية، كما هو واقع الآن في عدد من الدول العربية التي أصبحت ساحة لصراع القوي الكبرى وأطماعهم وتطبيق نظرياتهم السياسية والاقتصادية عليها، وصرنا نحن شعوب المنطقة ضحايا لهذه الصراعات وعناد وغباء بعض القابضين على السلطة أو الطامحين لها بسبب غياب الديمقراطية والشفافية في معظم البلدان العربية.
لقد عشنا سنوات أمام تحدى مواجهة الكيان الصهيوني أو ما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي الذي كان يوحد العرب أكثر مما يفرقهم، وجاءت معركة «73» لتمثل ملحمة ومرحلة تضامن عربي، وأتت ثمارها على كل المستويات سواء معنوياً في قدرة العرب وتلاحمهم وتعاونهم البيني، أو في شكل القرارات الدولية واسترداد الأراضي المحتلة، أو اقتصادياً عندما قفزت أسعار البترول من «3» دولارات للبرميل إلى «13» دولاراً للبرميل وحققت ثروة هائلة لدول الخليج والعراق في هذا الوقت..
والمؤسف أن هذا التلاحم والتعاون لم يستوعبه العرب لتعميقه وترسيخه، وإنما استوعبه الغرب جيداً، مستعيناً بالغباء السياسي العربي وتسلط بعض حكامه وتحولت الثروة إلى نقمة في حرب الخليج الأولى كبداية لانفراط العقد العربي خلق صراعات عربية عربية قائمة على العرقية والطائفية والمذهبية.. ثم كانت حرب الخليج الثانية استدعاء للقوى الكبرى إلى المنطقة لتبدأ تنفيذ مخططاتها ونشر الفوضى الخلاقة في أكثر من دولة تحت مسميات مختلفة، ثم خلق كيانات إرهابية لإطالة أمد الصراعات، كما هو واقع في العراق وسوريا واليمن وليبيا الآن وباتت شبه دول مهددة بالانقسام في أي لحظة وخلفت ملايين القتلى والجرحى والمشردين إضافة إلى الانهيار التام لبنية هذه الدول وتحول أبنائها إلى طوابير من الفقراء يصطفون يومياً لتلقى المساعدات أو الحصول على رغيف خبز.
كل هذه الأحداث والتداعيات والمشاهد لا تنفصل عن مشهدين جديدين الأول في الشقيقة الجزائر التي استمر مقعد رئيس الجمهورية بها شبه خال عدة سنوات بسبب مرض رئيسها عبدالعزيز بوتفليقة وتمسكه بالسلطة ولولا انفجار الأشقاء في الجزائر في مظاهرات حاشدة لاستمر الوضع كما هو عليه ولم يع القابضون على السلطة حتى الآن الدرس من انهيار عدد من الدول، بسبب التمسك بالسلطة!!..
أما المشهد الثاني في السودان الشقيق الذي استمر تحت حكم البشير ثلاثين عاماً وانتهى بمظاهرات الشعب السوداني الشقيق وانقلاب الجيش السوداني بقيادة الفريق عوض بن عوف الذي نصب نفسه رئيساً للمجلس العسكري، والواضح أنه كان طامحاً في تكرار سيناريو البشير، ولكن إصرار الشعب السوداني على التغيير أدى إلى انقلاب جديد في أقل من 24 ساعة أطاح بقائد الانقلاب وبكل رموز نظام البشير، ومازال الشارع السوداني في حالة حراك وإصرار على التغيير بعد أن عانى كثيراً من إهدار ثرواته، ومقدراته بسبب القبض على السلطة.
للأسف أزمات العرب لا تولد إلا أزمات.. بينما أزمات الأمم الحية تبحث عن صيغ مشتركة توحد وتنظم مصالحها حتى تتكامل، كما حدث في الاتحاد الأوروبي بعد أن تجاوز صراعاته التاريخية والدموية في الحرب العالمية الأولى والثانية، واختلافات اللغة وغيرها وتحول إلى قوة سياسية واقتصادية هائلة تنعم به الشعوب الأوروبية.. بينما العرب الذين يشكلون كيانا إنسانيا واحدا له نفس المكونات اللغوية والثقافية والتاريخية يفرطون في كل معنى أو اتفاق يوحد الجهود وينظم مصالح شعوبهم المقهورة بسبب السلطة والثروة والعناد السياسي وليس أدل على ذلك من التمزق العربي الداخلي والصراعات المسلحة والدسائس والمؤامرات، والشتات الاقتصادي، منه على سبيل المثال فقط.. الإمكانيات الهائلة في السودان للأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة وموفور المياه التي تسد الفجوة الغذائية للعالم العربي إذا استثمرت، في وقت يستثمر فيه بعض العرب أكثر من تريليونين من الدولارات من فائض ثروتهم في دعم اقتصاد الغرب.
نائب رئيس الوفد