في أواخر الثمانينات جمعتني الأقدار أن ألتقي بالدكتور زاهي حواس عالم الآثار المعروف وقت أن كان مديراً لمنطقة آثار الجيزة، وكنت في مهمة عمل صحفية ومعي الزميل كمال عمران الصحفي بجريدة الوفد، كان حواس يجيد فن اكتساب الصحفيين لدرجة دعوتهم لزيارته في بيته،حتى تكون العلاقة ليست علاقة عمل فحسب، بل تمتد إلي علاقة إخوّة وصداقة.
وللحق كان الصديق الدكتور زاهي حواس يعمل دائماً علي تسهيل مهمتي الصحفية رغم إنّه يعرف إنني أبحث عن إنفراد أو قضيّة فساد أو العمل علي كشف سرقة في المنطقة، ويعرَف أيضاً أنني أضع فروقاً وحدودا بين الصداقة وبين العمل الصحفي الذي أقوم بأدائه، فلا مكان هنا للمجاملات، وتتوالي الأحداث حتى ساهمت في الكشف عن العديد من قضايا الفساد في منطقة آثار الجيزة كان أخطرها وأشهرها جريمة إسقاط كتف تمثال أبو الهول الذي كنت أعشقه ،فقد كنّا نبيت تحت أقدامه بصحبة الصديق الغالي عاشق أبو الهول المرحوم إيهاب عامر مفتش أثار بمنطقة الهرم، وحين تشرق الشمس يأتي عمنا أحمد الشاعر كبير الخفراء رحمه الله بالإفطار «فول وطعمية ساخنة وعيش طازج» وكنّا نأكل في طبق واحد، وتمر الأيام تلو الأخرى، ليعرّفني حواس علي الصديق طيب الخلق محمد غنيم وكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية الذي انتقل إلي رحمة الله منذ أيام، واستمرت صداقتي به سنوات طويلة وانقطع الاتصال بيننا لظروف خارجة عن إرادتي لأنّ غنيم كان يقيم في الإسكندرية وأنا أقيم في القاهرة، ولكن كان الاتصال التليفوني بيننا هو بمثابة خط التواصل، وكان غنيم يتمتع بروح طيبة وقلب كبير يسع الجميع، فحين دبّ الخلاف بيني وبين الدكتور زاهي حواس لغضبه مني بسبب ما أنشره علي صفحات معشوقتي جريدة الوفد حول المخالفات والسرقات أو الاكتشافات الأثرية وضغط الوزير فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق عليه ولومِه علي دخولي منطقة آثار الأهرامات والجيزة التي كان الدكتور زاهي يترأسها، وكان الصديق حواس يخفي عنا بعض الاكتشافات الأثرية المهمة ليعطي تفاصيلها للزميلين مصطفي النجار الصحفي بالأهرام وسيد النجار الصحفي بالأخبار وفي أحيان أخري أمال عثمان بأخبار اليوم إلاّ أنني كنت بمجهودي أحقق السبق في أحيان كثيرة عن الجميع مما يثير غضب أخي زاهي، ويحظي بهجوم محرري الصحف القومية، فكان محمد غنيم وكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية هو وصلة الخير في الإصلاح بيننا، بعد دعوتنا للجلوس وتصفية الخلافات في احدي الفنادق الكبرى، رحم الله محمد غنيم وأسكنه فسيح جنّاته .
زاهي والبطة العرجاء !
وتمر الأيام بحلوها ومرها، فترة خلافات وأخري صداقات ومودة، جعلتني أدعوا الدكتور زاهي حواس وصحبة زملاء المهنة مصطفي النجار وكمال عمران والصديق المصور الكبير حمدي عبدالصادق علي عزومة فلاحي في قريتي بالمنوفية، وبعد أن وصلنا بدون حمدي عبدالصادق لظروف قاهرة منعته عن الحضور، تناولنا الغداء وكانت العزومة علي بط فلاحي، وفٌسحه داخل الأراضي الزراعية، وبعدها عدنا إلي القاهرة بعد قضاء يوم جميل،إلاّ أنّ الدكتور زاهي كلما تقابلنا كان يذكّرني بالعزومة، ويقول لي عزمتنا علي بطة عرجاء في المنوفية «وجاي تقولي عزومة»، ويطلق ضحكته المشهور بها أمام الجميع … رحم الله محمد غنيم الذي كان رحيله سبباً في كتابة هذه الذكريات الجميلة، وبارك الله في عمر عالم الآثار الخلوق الدكتور زاهي حواس أول وزير للآثار في مصر .