كثيراً ما كتبت عن الفساد وأذنابه وقمت بحملات كثيرة ضده فى جريدتى الغراء الوفد.. وبفضل الله كانت تلك الحملات تجنى ثمارها وتتم الإطاحة ببعض رموز هذا الفساد.. ولكن سرعان ما كنت أرى مظاهر تلك الفساد تعود من جديد.. وهو ما جعلنى أبحث عن سر تفشى هذا الفساد وتغلغله داخل الكثير والكثير من الوزارات بما فيها بالطبع وزارة الطيران التى أشرف بتغطية ملفها «وفى حملتى عن مراكز قوى الفساد فى الوزارات التى كتبتها منذ ما يقرب من السنوات الخمس، وخاصة الممنهج منها ضد بعض رموز المؤسسة العسكرية بالطيران المدنى وقتها واستمرت على مدار 7 حلقات ساعدنى فيها الشرفاء من العاملين بالطيران المدنى المحبون لقطاعهم ومؤسستهم العسكرية الخائفون على مستقبله».. اكتشفت الكثير والكثير عن تلك المراكز وقتها.. ولكن الخطير أنه ورغم حرب الدولة ضد كل مظاهر الفساد المالى والإدارى بالدولة فيبدو أننا ما زالنا غير قادرين على اقتلاع جذور هذا الفساد؟
ويأتى السؤال: لماذا نحن غير قادرين رغم الرغبة القوية والعارمة للقيادة السياسية فى القضاء على الفساد؟.. والإجابة ببساطة تتلخص فى أننا دائماً ما نركز على رؤوس هذا الفساد فنصل إليها ونقطعها وننسى أن لهذا الفساد جذرواً ضاربة فى أرض الوطن وجهازه الإدارى تعيس فيه فسادا وإفساداً بشكل لا تستطيع وحدك أن تحاربه.
والحكاية مع الفساد يا سادة ترجع إلى ما قبل 25 يناير2011، فلم نكن نسمع أبداً عن استقالة أى وزير أو محاسبة أى مسئول كبير على أى كوارث تقع فى نطاق مسئوليته، بل إن الموظف الشريف الذى سعى لكشف الفساد هو من كان يدفع الثمن.. وهو ما كانت تجسده السينما المصرية فى نهايات أفلامها المتحدثة عن الفساد «إن الفاسد الأكبر الذى يظهر فى نهاية الحبكة الدرامية» يؤكد أنه ليس هو النهاية لتروس الفساد، بل إن هناك تروساً أكبر فى الدولة فى إشارة الى الرؤوس المسئولة الكبيرة».. ولكن بعد ثورة يناير أصبح الوزراء الشرفاء، هم من لا حول ولا قوة، ويطاح بهم على أى فساد أو إفساد أو تقصير فى وزارتهم ويطاح بالوزير ويأتى غيره ويطاح به لدرجة أننا ومنذ ثورة يناير حتى الآن أحرقنا رموزاً وأسماء وشخصيات لم يكن أحد يتوقع أن يطاح بها.. المؤسف أن الوزير يطاح به، ولكن الفساد باقٍ ومعشش فى دروب الوزارات لا يستطيع أحد الإطاحة به.. بل هو من يطيح بالجميع ويخرج لنا جميعاً لسانه.. وللأسف هو دائماً المنتصر.
وهذا فى رأيى يا سادة.. يؤكد حقيقة واحدة وهى أن «للفساد هذا مراكز قوى» فى تلك الوزارات تمتلك من الآليات والمفردات لكل خيوط اللعبة ما تستطيع به أن تسقط أياً من فكر أن يقترب منها أو يظهرها بل على الفور «تستف الأوراق والمستندات» ويلبسها فى النهاية الشرفاء من الوزراء الذين شاء حظهم التعس أن يأتى بهم كوزراء لوزارات عشش فيها الفساد لسنوات طويلة فاقت عمر وسن أى وزير أو مسئول شريف يتولى أمرها.
يا سادة «مراكز قوى الفساد» هذه تمتلك كل مقومات الفساد والإفساد.. تمتلك العلاقات الداخلية والخارجية، تمتلك القوانين العقيمة التى يستغلها أذناب الإرهابية وغيرهم وتمتلك الرشاوى والعمولات والأموال والوظائف والشقق والمصالح وغيرها الكثير والكثير الذى تستطيع به أن تشترى الضمائر والذمم الخربة وهى ما أكثرها وفى كل الجهات، فهناك ضعاف النفوس الذين يبيعون ضمائرهم وواجباتهم الوطنية أمام مقومات الفساد التى تظهرها لها مراكز قوى الفساد فى الوزارات هذه.. ليس ذلك فقط، بل إن تلك المراكز لديها الأقلام الفاسدة مثلها من «الشماشرجية وكدابى الزفة والمطبلاتية والفسدة» المعروف عنهم سوء السمعة ولكنهم للأسف يلعبونها بحرفية داخل منظومة فساد وإفساد فهموا خيوطها.. فجميعاً يتذكر المهندس «إبراهيم محلب» رئيس الوزراء السابق هذا الرجل المحترم الذى أحبه كل الشعب المصرى لأنه استشعر فيه بحق أنه يحب وطنه ويتفانى فى خدمته وخدمة أهله وناسه، ولكنه للأسف دفع هو ومجموعة من وزرائه الثمن غالياً لفساد مراكز القوى التى استشعرت أن مثل هذا الرجل المحترم قد يصل اليهم.. بالضبط مثلما تم مع وزير الداخلية اللواء أحمد رشدى رحمة الله عليه عندما وصل للرؤوس الكبيرة فى تجارة المخدرات وللمساعدين لهم من قيادات كبيرة داخل الوزارة فكانت النتيجة ما حدث ورأينا من «فضيحة الأمن المركزى.«
أقول هذا القول يا سادة لأننا أصبحنا على مشارف الاستفتاء على التعديلات الدستورية التى سوف تنقذ البلاد من دستور به ألغام الله وحده حامى مصر من أن تنفجر فى وجه المجتمع والناس.. وكلنا يعلم الظروف التى وضع فيها هذا الدستور والملابسات التى اكتنفت وصاحبت وضعه، ولذلك على الشعب أن يقف فى ظهر وطنه من أجل غدٍ أفضل.
همسة طائرة… الرئيس «عبدالفتاح السيسى» سيادتكم تحارب الإرهاب وتجوب أرجاء العالم هنا وهناك من أجل هذا الوطن… تفنى صحتك من أجلنا.. ولكن هناك «مراكز قوى للفساد داخل الوزارات وأجهزة الدولة» وهى حقاً خطرها أشد وأكثر ضراوة من الإرهاب.. لأننا ببساطة فى الإرهاب عرفنا من هو عدونا وأصبحنا نحاربه، أما تلك المراكز فهى مستترة تخرب فى مفاصل الدولة لدرجة أن هناك إخواناً فى مراكز حساسة بالدولة والوزارات، وللأسف الأجهزة تعلم بذلك ولا تقترب منها، لأن تلك القيادات الإخوانية فهمت أصول اللعبة وأصبحت داخل بعض الوزارت مراكز قوى لا يستطيع أى وزير الإطاحة بها، لأنها تكتسب رضاء بعض النفر والقلة من معدومى الضمير فى بعض الجهات.. سيادة الرئيس الشعب المصرى كله يلوذ بك ومعه الشرفاء من الوزراء أن تنقذهم وتنقذ الوطن من «مراكز قوى الفساد» فى الوزارات وأجهزة الدولة، وكلنا أمل أن تنتهى حكاية مراكز قوى الفساد فى الوزارات قريباً إن شاء الله.. ولنا فى الطيران والنقل كما سبق وقلت فى همستى السابقة خير مثال.