منذ أن ضرب «الربيع العربي» المنطقة وخلف وراءه دماراً وخراباً وفوضى، ظهر جلياً أن «الإخوان» سعوا إلى استغلال الكوارث التي حلت بالمنطقة لتحقيق حلم التمكين والفوز بالسلطة، وبعدما فشلت الجماعة في حكم مصر وتأثرت سمعتها جراء ثورة الشعب المصري ضد حكم محمد مرسي، جيشت الجماعة كل عناصرها في كل أنحاء العالم ومعهم كل القوى التي تساند ذلك التنظيم لضرب استقرار البلدان العربية، والحؤول دون أن تشعر الشعوب بهدوء أو أمان، وعدم السماح للأنظمة أن تحكم وللشعوب أن تعيش وللتنمية أن تنجز، فذلك مناخ يناهض ما سعى إليه «الإخوان» على مدى عقود من أجل القفز على السلطة وتفتيت الجيوش وإسقاط الدول النظامية وتأسيس الأممية «الإخوانية» على أنقاض الجيوش والمؤسسات وأرواح الضحايا.
لذلك، لم تكن غريبة ردود الفعل الصارخة التي صدرت عن «الإخوان» ودول تساند الجماعة، وخصوصاً قطر وتركيا وجهات سعت كثيراً إلى تمكين الجماعة كمنظمات حقوقية ومراكز بحثية ووسائل إعلام غربية تجاه الأحداث الأخيرة في ليبيا، فبمجرد أن تحرك الجيش الوطني الليبي لتحرير طرابلس من الإرهابيين وبسط هيبة الدولة ومطاردة الأجانب الذين لجأوا إلى ليبيا باعتبارها محطة للتجمع والانطلاق منها إلى الدول المجاورة وتهديد السلم والأمن فيها، نُصبت المنصات الإعلامية القطرية والتركية واحتشد رموز «الإخوان» في الاستوديوات وأضيئت المصابيح في وجوه عملاء الجماعة وانطلقت من الدوحة واسطنبول ومدن أخرى تحذيرات عبر القنوات التلفزيونية والصحف الإلكترونية لمحاولة وقف زحف الجيش الليبي نحو عاصمة بلاده! وحماية الإرهابيين و«الإخوان» هناك من العقاب والعمل بكل الطرق لمنع عودة ليبيا دولة موحدة تمارس سيادتها كغيرها من الدول.
الدور القطري في تخريب ليبيا على مدى سنوات معروف ولا يحتاج إلى كثير من الأدلة والبراهين وارتباط الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية هناك بالدوحة وأنقرة مسألة معلنة ومعروف أسبابها، ويبدو وكأن هذا التحالف الذي يجمع قطر وتركيا و«الإخوان» كان يعول على ليبيا ويأمل في أن تظل على أحوالها تغرق في الفوضى وتؤمن ملاذاً للإرهابيين الفارين من كل مكان بعدما فقد «الإخوان» قلاعا وقواعد كانوا يعتمدون عليها في بلدان أخرى.
ليس مهماً الآن لدى الدوحة أو أنقرة موت عملائهما في ليبيا، لكن الأهم هو ألا يتم فتح مخزن الأسرار وكشف تفاصيل تورط الدولتين هناك وحجم الأموال التي أنفقت لتخريب الدول العربية الأخرى وتجنيد العناصر الإرهابية ونقلهم من موقع إلى آخر وكم الأسلحة التي جرى تهريبها وتسليمها إلى الإرهابيين. إنه نفس العويل والصراخ ولطم الخدود الذي مارسته المنصات الإعلامية «الإخوانية» والقنوات التلفزيونية القطرية والتركية حين كان الجيش المصري ينفذ خطة تصفية الإرهابيين في سيناء، فالجيوش الوطنية هي ألدّ أعداء الجماعة «الإخوانية» وداعميها. من المضحكات ضمن الحملة القطرية والتركية والجهود الإخوانية لمنع الجيش الليبي من تحرير عاصمة بلاده من الإرهابيين ذلك المشهد الذي جرى ترويجه لحشد من الليبيين يرفعون لافتة تؤكد حرصهم على بقاء ليبيا دولة مدنية مع كلام وعبارات يؤكدون فيها رفضهم عسكرة الدولة هناك، ولم ينتبه أصحاب المشهد إلى أنهم كانوا يرتدون زياً عسكرياً وأنهم يحملون على أكتافهم أسلحة وأن المفردات التي استخدموها في عباراتهم لا تختلف كثيراً عن تلك المستخدمة لدى «الإخوان» والقاعدة وداعش!
تعاني قطر فضائح إقليمية ودولية لأدوارها في دعم الإرهاب واحتضان الإرهابيين ورفضاً من دول عربية لاستمرار الدوحة في ممارسة ذلك الدور إلى الأبد، بينما تأثر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانخفاض شعبيته وتدهور اقتصاده وهزيمة حلفائه «الإخوان» في مصر ودول أخرى وأتت ليبيا لتغلق فيها صفحة النمو السرطاني للإرهاب هناك.
نقلا عن صحيفة الحياة