إن لأي مصطلح ظهر في تاريخ الفلسفة والفكر والتعامل الإنساني، تاريخاً طويلاً من النقاشات والكتابات والأخذ والرد، فلا ينحت المصطلح نفسه من فراغ، ولا بسهولة، لذلك علينا أن نعيه جيداً ونفهمه قبل أن نتقاذفه باعتباره سبة أو شتيمة كما يفعل البعض مع مصطلح التنوير مثلاً، أو العلمانية أو الليبرالية أو الأدب النسوي أو النقد العقلي أو… إلخ.
باختصار هذه المصطلحات ليست مجرد نحت في اللغة، إنها كلمات شديدة الوضوح، حادة الحواف، تختصر مفاهيم ورؤى وتوجهات قادت مجتمعات كثيرة وكبيرة، عبر سياقات زمنية مختلفة عما مررنا به، وحين لا نتفق معها فإننا نحتفظ بحقنا في الاختلاف، لكن ليس من حقنا أن نسفهها أو نتحامل على من يتبناها، أو على تلك المجتمعات التي أنتجتها!
يقول فولتير أحد فلاسفة عصر التنوير في فرنسا (قد أختلف معك في الرأي، لكني مستعد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك) إن هذا القول بالغ الأثر، وقد يكون مبالغاً في مثاليته، لكن ما يدرينا أنه لم يوضع موضع التنفيذ، ولم يلتزم به قائله، أليس فولتير أفضل ممن يدعي امتلاك الحقيقة وحده مهما كانت مرتكزات تلك الثقافة التي ينطلق منها؟
إن هذا مجرد مثال صغير لا أكثر للتدليل على أن لدى الآخر إيجابيات كثيرة أفتقدها، ولدي إيجابيات كثيرة لا يعرفها، فلماذا ننقب في الخلافات ونجاهر بعضنا بالعداء مع أن الله حين خلقنا قال «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» لا لتتشاتموا، ولا لتجاهروا بعضكم بالعداء، ولا لتتفاضلوا، فمعيار التفاضل محسوم عنده سلفاً!
إن التجارب التي نخوضها كل يوم تقول لنا بوضوح إن خوضك 3 تجارب فاشلة سيقربك من الوعي أكثر من جلوسك 3 سنوات لوحدك في صحراء، أو في غرفة منعزلة خــوفاً من التجربة!
وإن أفضل مؤشر لمستوى وعيك هو كيف تتعامل مع تحديات الحياة عندما تواجهك، أما إصرارك على فكرة «أنا على صواب وأنت على خطأ» فإنه كقنبلة قاتلة تهدد العلاقات الشخصية والتفاعلات بين الأمم والقبائل والأديان!