♦ اسمحوا لى أن أعيد عليكم عرض فكرتى عن تاريخ حزب الوفد، والتى طرحتها خلال صالون «المحور» الثقافى، الذى نظمه رجل الصناعة الوطنية الكبير حسن راتب، بمناسبة مئوية ثورة 1919 وحزب الوفد.
♦أعتقد أن الوفد عبر تاريخه الممتد لمائة عام، كان يمر عبر مضايق، ويعبر سدوداً، ويواجه أعاصير السياسة، بصمود، وقدرة وتحدٍ، ولكن ـ بمراجعة ـ هذه المعارك الشرسة، يمكن تقسيم تاريخه إلى قصة التكوين الثورى، بالإضافة إلى ثلاث مراحل مهمة، الأولى: منذ تأسيسه ــ رسمياً ــ عقب دستور 1923، والثانية: المرحلة التى أعقبت حله على يد تنظيم الضباط الأحرار عام 1953، والمرحلةالثالثة: بدأت منذ الحكم القضائى بعودته الثانية عام 1983 ثم عودته الرسمية والفعلية عام 1984 وحتى اليوم.. وسوف تلاحظ أن كل مرحلة من هذه المراحل استمرت 30 عاماً تقريباً، وكان يتخلل هذه المراحل الثلاث، سنوات بدايات التأسيس منذ ثورة 1919 وحتى التأسيس الرسمى عام 1923، وسنوات العودة الأولى من 1978 وحتى 1983 لتكتمل مئوية نضاله وكفاحه الممتدة لمائة عام كاملة.
♦قصة تكوين الوفد، مرتبطة بثورة 1919، ولذلك لا يمكن أن نتحدث عن الوفد دون الحديث عن الثورة، والعكس صحيح.. ولذلك أجدنى دائماً أعطى ثورة 1919 عنوان: «عبقرية زعيم.. وخصوصية تكوين» فلا نستطيع أن نتجاهل شخصية سعد زغلول، وعلاقة السببية بينه وبين نجاح الثورة، فقد كانت شخصيته سبباً رئيسياً في عبور الثورة لحواجز ومؤامرات كثيرة، وربما لو كان هناك قائد آخر لفشلت الثورة، حتى لو كان مصطفى النحاس، زعيمى وقدوتى وصاحب منهجى السياسى، صحيح.. كان مصطفى النحاس سياسيًا صلبًا وصارمًا لكن الطريقة التى استعملها سعد فى التفاوض هي التي أنجحت الثورة.
♦والثورة كان لها خصوصية تكوين أدت لنجاحها فقد كانت علاقات سعد وفكرة مشاركة المرأة والأقباط والرجال والنساء، والسعى نحو وجود حمد الباسل فى تنظيم الوفد، فقد مثل البدو مما أدى لنجاح التكوين بكل عناصر المجتمع، وهذا كله يؤكد أن عبقرية هذا الزعيم هى العنوان الرئيسى لنجاح الثورة… بالإضافة إلى أن الثورة لم تكن عشوائية على الإطلاق فقد كانت هناك مقدمات توحى بأن الثورة قادمة، فكان صالون ناظلي بداية تجمع المثقفين وقيادات المجتمع لمناقشة الشأن المصرى، والحديث عن القضية الوطنية، ومن هنا كان تنظيم الثورة، التى كان لها ترتيب تصاعدى للقيادة، ولها قيادة وقيادة بديلة، وهو ما تم تعريفه بـ«الطبقات الأربع للقيادة فى ثورة 1919».. وإذا كان البعض اتهم سعد بالتسلط والتمسك بالرأي لكننى اعتقد ان ذلك التشدد كان صلابة في مواجهة المحتل وليس تسلطًا.. والدليل على ذلك أن الوفد بعدما أصبح حزبًا رسميًا لم يقبل أن يكون له تنظيم سري وهذا هو الفارق بينه وبين غيره من التيارات فهناك تنظيم محظور نعرفه جميعاً ترك التنظيم السرى يقود الحزب الذي قام بتشكيله.
♦ وعند الحديث عن الثورة لا يمكن أبدًا أن نتجاهل الحديث عن المرأة وفكرة المشاركة الثورية لأول مرة في تاريخ مصر فخروجها للشارع كان نتيجة هائلة.
♦ المهم.. أن الوفد مر بعدة مراحل كما قلت فى البداية، المرحلة الأولى من 1923 وحتى 1953 وهي مرحلة مهمة شهد فيها الوفد عهده الذهبى وكتب تاريخه فى مواجهة الاستعمار، وأسس المرحلة الليبرالية الوحيدة فى تاريخ مصر، وهى الفترة التى شهدت ظهور نوابغ العلوم والثقافة والفنون والاقتصاد.
♦ المرحلة الثانية من عام 1953 وحتى عام 1983 وهى المرحلة الأسوأ والأكثر سواداً فى تاريخه، حيث تم حل الحزب على أيدى الضباط الأحرار، ثم اعتقال معظم قياداته، ومصادرة أموالهم وأراضيهم، والتنكيل بكل قياداته فى الأقاليم، حتى لا يتبوأ أي منهم منصباً قيادياً فى وظيفته.
♦ أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت عام1983واستمرت إلى اليوم وهى المرحلة الأطول فى تاريخه، وهناك شخص مهم يجب ذكره كعنوان لهذه المرحلة، وهو فؤاد باشا سراج الدين الذي تسبب في عودة الوفد، وحافظ على تماسك الوفديين من خلال اتصاله بهم عبر 30 عاماً من التنكيل، مر بها رجال الوفد خلال المرحلة الثانية، واستعمل طريقة غريبة للاتصال بالوفديين، فقد كان يمتلك كشكولاً ضخماً مسجلاً فيه أرقام كل الوفديين الرئيسيين، وعائلاتهم، وتواريخ أعيادهم، وأعياد ميلاد أبنائهم وأعياد زواجهم، وظل «سراج الدين» على هذا الحال لفترة دامت 30 سنة للحفاظ على الكتلة الوفدية بجهد جبار، ولذلك يمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة فؤاد سراج الدين وهذه المرحلة، التى أراد البعض قطعها، وانهاءها، والقضاء على ما تبقى منها، كتب لها الاستمرار يوم 30 مارس 2018 بفوز المستشار بهاء الدين أبوشقة ولم يكن هذا فوزاً لشخص بقدر ما كان نجاحا لتيار وفدى كبير وواسع، واستمرارا لمرحلة مهمة، هى المرحلة الثالثة من تاريخ الوفد، وهى المرحلة التى سوف تستمر لفترات أخرى بجهد وتعب وإيمان بمبادئ وتراث الوفد.
♦ المرحلة الثالثة.. مازال أمامها الكثير.. فهى مرحلة بناء الأجيال، وترسيخ المنهج.. وتثبيت المبادئ.. ودعم الولاء للكيان.