يقف العقل عاجزًا أمام تفسير جملة من المتناقضات فى المجتمع المصري، منها على سبيل المثال قضية العشوائيات التي باتت ظاهرة مصرية منذ عدة عقود لأسباب كثيرة ومتعددة يطول شرحها، وإن سلمنا بأن الوضع الاقتصادي وفساد الجهاز الإداري للدولة كانا سببًا أسياسيًا فى استفحال هذه الظاهرة إلى حد تصنيف بعض المناطق بأنها غير آمنة، وأفرزت شرائح اجتماعية مثلت خطورة على المجتمع.. وأيقنت الدولة أن بعض هذه المناطق شكلت بؤرا إرهابية وإجرامية، ولن تجدي معها الحلول الأمنية وحدها، وتحول الاتجاه نحو مواجهة المشكلة من جذورها، إما بتطوير هذه المناطق أو بإزالتها وإعادة تخطيطها من جديد.
آخر الاحصائيات الرسمية تشير إلى أن الدولة أنفقت آخر عامين فقط 24 مليار جنيه لتطوير عدد من المناطق العشوائية، كما تم اعتماد 23 مليار جنيه أخرى مخصصة لهذا الغرض فى إعادة وتأهيل بعض المناطق فى القاهرة والجيزة بهدف محاصرة هذه الظاهرة وإنهائها تمامًا بهدف إعادة الوجه الحضاري للقاهرة وغيرها من المدن.. وبالتزامن مع إعلان هذه البيانات صدر تصريح هام للدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بأن الدولة لن ترحم أى مخالفة جديدة ـ ومحدش يفكر يخالف بعد كدة ـ وطالب المحافظين بإعداد تقرير دوري حول آخر المستجدات المتعلقة بهذا الملف.
والواقع أن العشوائيات جزء كبير منها صناعة حكومية.. إما بسبب غض الطرف عن المخالفات أو لانعدام الخدمات وأعمال الصيانة أو لغياب الرقابة أو لعدم وجود اعتمادات مالية وميزانية لمواجهة المشاكل قبل استفحالها وتفجرها، وهذا واقع يعيشه المواطن الذى صبر وتحمل قسوة الإصلاح الاقتصادي فى مقابل تعزيز قدرات وطنه ورقيه وتحضره وليس العكس.. وهنا أتوقف جملة من التعليقات اللاذعة من أبناء حي الدقي إلى الحكومة والمسئولين بعد أن تعثر أحد كبار السن وسقط فى حفرة بالشارع عقب خروجه من أحد المساجد، وهو مشهد يتكرر بعد أن تحولت كثير من شوارع الدقى إلى حفر ومطبات وإشغالات واختفت أرصفتها إضافة إلى انتشار الباعة الجائلين وتناثر القمامة فى كل مكان.. وعندما قررت أن أكون مواطنًا متعاونًا وهاتفت السيد رئيس حى الدقى عن سوء بعض الشوارع جاءني رد الرجل أكثر صراحة وقال إن معظم شوارع الدقى تحتاج إلى رصف وإعادة تأهيل ولا يوجد لديه اعتمادات مالية، ويطلب المساعدة في هذا الأمر!!
هذا هو واقع منطقة كانت تعد على رأس المناطق الحضرية ووجهة سياسية يرتادها ويقطنها جنسيات مختلفة وبها أحد الفنادق الكبرى بمنطقة المساحة، وتتحول يومًا بعد الآخر من سيئ إلى أسوأ، ولم يعد بمستغرب تكرار انفجار المياه أو الصرف الصحى واستمرار مخلفات البناء فى أماكنها وانتشار الباعة الجائلين.. فما هى العوامل المضافة حتى تتحول إلى منطقة عشوائية؟! وليس ببعيد عنها منظر أكثر دهشة وهو استمرار تلال وأكوام مخلفات حفر الكراكات منذ 5 سنوات لماسورة صرف صحى تكرر اصلاحها عشرات المرات بجوار مديرية أمن الجيزة وتركت على هذا الحال أكثر من 5 سنوات بعد أن أصبحت فى حاجة لخبراء أجانب لاصلاحها وتقف شاهدة على العجز والفشل والفوضى وغياب الرقابة والمحاسبة فى القطاع الحكومى؟!
اننى أدعو الدكتور الخلوق مصطفى مدبولى رئيس الوزراء إلى جولة تفقدية فى شوارع الدقى للحفاظ على ما تبقى من واجهته الحضارية، وقبل أن تفاجأ الحكومة أنه دخل قائمة المناطق العشوائية ويحتاج إلى المليارات لإعادة تأهيله.
نائب رئيس حزب الوفد