ظل تعريف «المتطرف» طوال العقود الثلاثة الماضية مرتبطاً بالتطرف الديني، في إطاره الواسع، وبالتطرف الإسلامي، في إطاره الأضيق!
وقد فعل هذا التعريف المنحاز فعله إعلامياً في ربط العنف بالدين، وفي ربط التطرّف بالإسلام، إذ تمكّنت أقنية الإعلام العالمية، والعربية أيضاً، عبر سياسة الإغراق الذهني من إقناع الجماهير بأن لا شيء يقف خلف العنف في هذا العالم أو يتسبب في وقوعه سوى الدوافع الدينية، هذا أولاً، وتالياً يتم تضييق دائرة هذه الدوافع الدينية بحيث تنحصر في أتباع الدين الإسلامي فقط. وحتى لا يتم بعثرة النقاش، أؤكد بكل وضوح أن الدوافع الدينية أحد أسباب العنف، وأن المتطرفين من أتباع الدين الإسلامي شركاء في ارتكاب حوادث العنف، لكن لا الدين وحده ولا المسلمون وحدهم المسؤولون عن العنف في هذا العالم.
لذا، ومن بين أجواء الجريمة الإرهابية التي وقعت أخيراً في نيوزيلاندا، ومن ثنايا مقالتي الأسبوع الماضي «الإنسانوفوبيا… تعميم ثقافة الكراهية»، سأحاول تقديم تعريف جديد لـ«المتطرف» غير التعريف السائد الذي ألفناه!
«المتطرف هو: الشخص المتشبّع بالكراهية والمُشِيْع لثقافة الكراهية، سواءً كان هذا في قالب ديني تكفيري أم قالب قومي شوفيني».
التطرف، في مفهومه العام، هو البعد عن الاعتدال، ثم يأتي التطبيق على التعريف لاحقاً بحسب الإطار الآيديولوجي الذي يرتهن فيه عقل المتطرف.
تبنينا لهذا التعريف غير المتحيز سيقودنا إلى فك احتكار التطرف على أتباع الأديان وعلينا نحن المسلمين خصوصاً، وجعله معمّماً على كل تطرف ديني أو قومي في هذا العالم، وبالتالي إلى التخلص من المبالغة في جلد الذات، الذي أنهكنا كثيراً.
سنحتاج إلى محاولة تعريف «الكراهية» التي يقوم على أعمدتها التعريف الجديد للمتطرف، فالكراهية هي: الشعور الذي «قد» يدفع الكاره إلى إلحاق الأذى بالمكروه، ووضعت «قد» بين قوسين صغيرين لأن الكراهية لا تقود دوماً إلى ارتكاب الأذى الحسي، لكنها تفعل ذلك غالباً، فالكراهية بوابة العنف.
ختاماً، من المهم التنبيه هنا بأننا نحاول تعريف «المتطرف» وليس تعريف العنف، لأن العنف قد يقف خلفه أيضاً أناس غير «المتطرفين» المشمولين في التعريف أعلاه، وأعني بهم المنتفعين من السياسيين أو الرأسماليين من تجار الأسلحة أو المخدرات أو غسل الأموال، هؤلاء قد يرتكبون أعمال عنف، ليس كراهيةً في الآخرين، ولكن حبّاً لأنفسهم البشعة.
كاتب سعودي.