نون والقلم

طارق تهامي يكتب: سعد زغلول ومقولة «مفيش فايدة»

من أغرب الحكايات التي يمكن لنا أن نسردها عن سعد زغلول وثورة 1919 هي حكاية المقولة الشهيرة «مفيش فايدة» والتي جاءت على لسانه ومازال يتداولها المصريون حتى الآن!! ولكن القصة الحقيقية تختلف تمامًا عما تداوله المصريون وقتها.. فقد تردد أن سعد يقول مفيش فايدة في الكفاح والنضال وخروج الاحتلال الإنجليزي عن مصر، في حين كان السبب مختلف تمامًا!!

كان سعد في أيامه الأخيرة، واشتد عليه المرض، وكعادتها، ذهبت إليه رفيقة عمره وكفاحه صفية هانم زغلول، في موعد تناول الدواء لكي تعطيه الجرعة التي قررها الطبيب في موعده المحدد، وعندما اقتربت منه، أزاح سعد زغلول يدها، وكانت المرة الأولى التي يرفض فيها سعد تناول الدواء، ويبدو أنها كانت الأخيرة، وهنا انزعجت صفية هانم وقالت له: خير يا باشا.. أنت ليه رافض تناول الدواء؟ فقال لها جملة واحدة «مفيش فايدة يا صفية»؟ وكان الرجل يقصد أنه ميت لا محالة وأنه يشعر بدنو الأجل، وهذا هو نفس المقصد الذي فهمته صفية هانم، فقد ظلت تبكى حزنًا على الحالة التي وصل إليها زوجها، ولكن يبدو أن المقولة التي رددها أصدقائه، وانتقلت بدورها إلى عموم المصريين، تم تحريفها، فقد تلقفها الإنجليز، وحرضوا عملاءهم المندسين وسط المصريين، على تغيير معنى ومضمون الجملة التي قالها سعد باشا، فتردد وسط الناس أن سعد زغلول أصابه اليأس، وأنه فقد الأمل في خروج الإنجليز من مصر، وقطعًا كانت فكرة خبيثة يتم استخدامها لنشر الإحباط في أوساط المصريين!! ورغم مرور 92 عامًا على هذه المقولة التي رددها سعد، ورغم مرور نفس المدة على تحريف الجملة، مازال المصريون يرددون جملة «مفيش فايدة» في حالة إصابتهم باليأس!!

«صفية هانم»!

وبما أن الحكاية ورد فيها اسم صفية هانم زغلول، فلا بد أن نتحدث عن دورها الوطني الذي لن ينساه المصريون.. سواء خلال ثورة 1919 أو قبلها وبعدها، فهي رفيقة الزعيم وزوجته المخلصة.. فهي، وصديقتها هدى شعراوي، صاحبة مبادرة مشاركة المرأة في الثورة بقوة، لتغير مفهوم العالم عن المرأة المصرية ودورها في العمل العام.. فقد كان إعلام الغرب يتجاهل دور المرأة المصرية في الثورة، وكان يتعمد دعم قوى وتيارات ذات فكر منغلق حتى يهزم الثورة ويغلق الباب على إنجاز مهم حدث خلالها وهو خروج المرأة من البيت لتشارك في ثورة الغضب لأول مرة في تاريخ مصر.

وكانت الصحف الغربية تتجاهل دور المرأة في الثورة، ولم يذكر ما قامت به صفية زغلول وهدى شعراوي وسيزا نبراوى، في سابقة جعلت للمرأة المصرية دورًا في المجتمع، لتنتقل منذ اندلاع ثورة 19 من تابع يترك العمل العام والوظائف للرجال، إلى شريك أساسي وأصلى لا يمكن الاستغناء عنه خلال مرحلة بناء المجتمع.

كانت صفية مصطفى فهمي التي ولدت في عام 1878، من عائلة أرستقراطية معروفة، فهي ابنة «مصطفى فهمي» الذي تولى رئاسة وزراء مصر، وكان من أصل تركي، ولذلك كان غريبًا أن يتقدم «سعد زغلول» ابن الفلاح المصري لخطبة «صفية» بوساطة من صديقه «قاسم أمين».. وكانت المفاجأة هي موافقة صفية على الزواج من ابن الفلاح البسيط الذي أصبح بعد ذلك وزيرًا ثم نائبًا برلمانيًا فزعيمًا للمصريين.

خاضت «صفية زغلول» رحلة كفاح ونضال وحياة غير تقليدية، مع زوجها، ووهبت وقتها وحياتها للنضال الوطني الذي تزعمه في البلاد.

بعد أن تم القبض على سعد، وتقرر نفيه إلى جزيرة سيشل طلبت «صفية زغلول» أن ترافق الزوج والمناضل في منفاه، الحكومة البريطانية رفضت في أول الأمر لكن عندما شعر الاحتلال الإنجليزي بخطورة وجود «صفية زغلول» بين صفوف المصريين تشجعهم وتحثهم على النضال من أجل الاستقلال‏، قرر الاحتلال أن يسمح لها بالسفر لمرافقة الزوج، وعندئذ رفضت وقررت البقاء بمصر لمواصلة النضال قائلة، «واجبي نحو بلادي أهم من واجبي نحو زوجي»، وأصدرت «صفية» بيانًا عقب نفى «سعد» قالت فيه، «إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعد، فإن شريكة حياته تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن»، وألقى هذا البيان في مظاهرة فهتف أحد قادة المظاهرة «تحيا أم المصريين»، ومن يومها اكتسبت «صفية زغلول» لقب «أم المصريين».

لقد تحول بيت الزوجية الذي تحول اسمه إلى بيت الأمة إلى مصدر قلق للإنجليز بعد نفى سعد زغلول، لأن السيدة صفية فتحت أبوابه للثوار والمناضلين، وكانت البيانات والمنشورات يتم طباعتها في المنزل، وكانت تنطلق منه المظاهرات العارمة لتجوب شوارع القاهرة.

‏tarektohamy@alwafd.org

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى