بكثير من الدهشة والاستغراب والاستهجان، تابع الكل ما فعله أمير قطر في القمة العربية في تونس. نعني انسحابه من الجلسة الافتتاحية للقمة أثناء إلقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابوالغيط كلمته ومغادرته إلى المطار مباشرة، وقبل أن يلقي كلمته المقررة.
هذه سابقة لا نعرف لها مثيلا في تاريخ القمم العربية. وقبل كل شيء، ما فعله أمير قطر على هذا النحو ينطوي وبشكل فج على عدم احترام للجامعة العربية وأمينها العام، وللدولة المضيفة تونس وقيادتها. لم ينتظر أن يكمل الأمين العام كلمته، ولم يحرص على أن يقدم لقيادة تونس رئيسة القمة أي عذر أو تفسير.
تعددت التفسيرات التي تم تقديمها لما فعله أمير قطر. لكنها بشكل عام لم تخرج عن أمرين:
الأول: ان أمير قطر فعل هذا كتعبير عن الرفض أو الاحتجاج، أو أيا كان التعبير، عما قاله الأمين العام للجامعة العربية في كلمته حين وجه انتقادات عنيفة إلى تركيا وإيران وما يفعلانه بالمنطقة العربية من تخريب وما يسعيان إلى تحقيقه من أطماع، وإشادته بالمملكة العربية السعودية في تعاملها مع أزمات المنطقة، وأيضا ما قيل في الكلمات التي القيت عن تمويل الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية في الدول العربية.
قيل ان امير قطر بالإضافة إلى انه لم يعجبه هذا الانتقاد العنيف لتركيا وإيران، فهم الحديث على انه موجه ايضا إلى قطر.
والثاني: ما ذكرته مصادر دبلوماسية عربية في تصريحات لصحيفة «اليوم السابع» المصرية من ان السبب الرئيسي لما فعله أمير قطر هو تجاهل معظم الرؤساء والقادة العرب له، حيث انه لم يلق أي اهتمام منهم منذ دخوله لمقر انعقاد القمة.
الأرجح ان الأمرين معا، وبنفس القدر، يفسران ما حدث.
من جانب، امير قطر ربط بلاده بتحالف مع إيران وتركيا في مواجهة الدول العربية والمصلحة العربية. وفي مواجهة الموقف العربي الحازم الحاسم الذي عبر عنه العاهل السعودي، والرئيس التونسي، والأمين العام للجامعة العربية، برفض التدخلات الإيرانية والتركية في الشؤون العربية واطماعهما التوسعية، ربما فكر امير قطر ان عليه ان يدافع عن حلفائه الإيرانيين والأتراك، وهو بالطبع لو فعل هذا لكان قد قوبل باستهجان لا حد له من قبل القادة في القمة، ولهذا فضل الهروب من هذا الموقف.
في نفس الوقت، المؤكد ان امير قطر شعر انه «غريب» في القمة بين القادة والزعماء العرب. غريب ليس كشخص، ولكن أساسا كمواقف وسياسات. بعبارة أخرى، لا شك انه شعر ان مواقف كل الدول العربية في واد، ومواقف نظامه في واد آخر.
الكلمات التي القيت، وتصريحات القادة، والبيان الختامي للقمة الذي كان قد تم اعداده بالفعل، والأجواء العامة التي أحاطت بالقمة.. كل هذا أظهر ان مواقف وسياسات قطر منبوذة ومستهجنة وخارجة عن الإجماع العربي.
هذا أمر مؤسف ومحزن.. مؤسف ومحزن لأن شعب قطر لا يستحق ان يكون في هذا الموقف من العزلة والغربة عن محيطه العربي العام، وعن المواقف العربية التي يجمع عليها القادة.
قبل انعقاد القمة، حين تم إعلان ان أمير قطر سوف يترأس وفد بلاده، فكرت انه ربما يكون هذا مؤشرا جيدا على استعداد النظام في قطر لتغيير سياساته التي ابعدته عن محيطه العربي. لكن بعد انسحاب امير قطر من القمة بهذا الشكل الغريب، من الواضح ان الأمل في حدوث هذا التغيير ما زال بعيد المنال.