نون والقلم

مصر والحرب على الإرهاب والفساد

فتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جبهة قتالية جديدة ضد الفساد بعد جبهته المفتوحة ضد الإرهاب، ولعل الجبهة الأخيرة لا تقل أهمية عن سابقتها لأنها تمهد الطريق إلى إدارة حكومية أكثر نقاء وتسلط سيوفها على رقاب الفاسدين.

فالرئيس المصري اختط لنفسه سياسة جديدة على المستويين الداخلي والخارجي، فهو خارجياً يريد سياسة متوازنة تجمع حلفاء وأصدقاء ولا تخلق أعداء، فهو عضو في التحالف العربي في اليمن لكنه دعا منذ البدء إلى حل سياسي، وهو المبادر لمكافحة الإرهاب على أرض مصر، لكنه رفض أن يكون حليفاً لمن يدعمونه في مصر وليبيا ويحاربونه في سوريا والعراق. وهو يسعى لعلاقات متوازنة مع أمريكا وروسيا ولا يريد التضحية بسوريا كفريسة للتقسيم، فهو مع الحل السياسي الذي يحفظ وحدة سوريا.
عملياً يريد سياسة مصرية جديدة غير تابعة لأحد وألا يتورط في مغامرات عسكرية تنهك مصر بل التفرغ لعملية البناء والتنمية. وبشأن معركة السيسي ضد الفساد فهو شكل في رئاسة الجمهورية جهازاً لرصد هذه الظاهرة، والمعلومات حول فضيحة وزير الزراعة جاءت إلى رئيس الحكومة محلب من رئاسة الجمهورية وليس من طرف آخر، وعندما توجه محلب لتعديل حكومته فوجئ بالرئيس يطلب تغييراً حكومياً وليس مجرد تعديل، فرئيس الوزراء يتحمل مسؤولية فساد أحد وزرائه.
حكاية السيسي مع الفساد بدأت عندما كان في الاستخبارات الحربية، حيث راكم معلومات حول فساد في الجيش، ولاحظ أن رجال أعمال استفادوا من مشاريع الجيش وأن الرئيس المخلوع حسني مبارك رفض محاسبة أحد لا من بعض ضباط الجيش ولا من رجال الأعمال لتزاوج المصالح بين الشريحتين وارتباطهما بالنظام، فكان مبارك أضعف من أن يقوم بمكافحة الفساد بسبب العلاقات المتشعبة لحاشيته مع هؤلاء.
لكن السيسي لم ييأس وظل حتى أيام الرئيس المعزول مرسي يراكم الملفات حول مشاريع الجيش واستثماراته ويحتفظ بها، ولم يشأ إلحاق أي ضرر بتماسك الجيش ووحدته خاصة وأنه على علم بمخططات لتفكيك الجيش أعدها حكم «الإخوان» حتى إذا تسلم الحكم فتح الملفات شخصياً وبدأ بتفكيك القضايا حتى لا يحدث ضجيجاً، وسمح له هدوؤه ورباطة جأشه في أن يموه على الأسماء بأن التقى عشرات الضباط المتقاعدين ممن كانت لهم صلة بالمشاريع والكسب غير المشروع، فكان منهم الأتقياء وكان منهم الأشقياء، لكنه لم يرد فضح أحد بل استعادة المال العام، ونجح في استعادة قرابة ثلاثة مليارات جنيه من دون ضجيج ومن دون المس بكرامة أحد.
معركة السيسي لتحسين المستوى الإداري تبدو شاقة لكن انفتاحه على العامة وتعليماته للوزراء بالوجود في الشارع جعلته يسمع نبض الشارع وشكاويه، وبات كل مسؤول يشعر وكأن هناك رقباء يرصدون أداءه ما يشكل رادعاً خفياً لهم.
مصر لديها إمكانيات ضخمة تجعلها تستغني عن أي دعم لكن سوء الإدارة يجعلها تترنح، فالمفقود من المياه بأساليب الري القديمة يعادل أكثر مما تستفيد منه، والمفقود من المياه في المنازل بالقاهرة وحدها يعادل مئات الملايين من الأمتار المكعبة. ولنا أن نتخيل بلداً يطل على ثلاثة آلاف كيلو متر من البحار والأنهار ولا يتوفر فيه السمك بأسعار مقبولة؟ أو إنه يستورد اللحوم والقمح بينما أراضيه شاسعة تنتظر من يزرعها! وكان السيسي في بدايات حكمه تذمر من أن الشعب المصري يسكن على مساحة سبعة بالمئة من مساحة مصر، في إشارة إلى ضرورة التوسع في توزيع التجمعات السكانية واستصلاح الأراضي وخلق فرص جديدة. فالسياحة المصرية تتراجع خاصة في المنطقة الأثرية الأولى في العالم أي الأهرامات بسبب أزمة السير الخانقة في القاهرة، فمن دون تخفيف عدد سكان القاهرة وإزاحة شريحة البوابين والمهن الطفيلية في الشوارع لا يمكن الحد من ظاهرة الاختناق المروري لأن القاهرة باتت مدينة طاردة للمستثمرين والسياح، إذ لا يعقل أن هرماً صناعياً في لاس فيغاس يزوره 45 مليون شخص سنوياً بينما لا يزيد عدد زوار الأهرامات في الجيزة وصقارة عن عدة ملايين.
مشروع قناة السويس وتنمية محور السويس والكشف عن حقول الغاز ستشكل رافعة للاقتصاد المصري وجلب الاستثمارات وبناء مدن صناعية وسكانية جديدة، والحرب على الإرهاب والفساد حرب مصيرية بالنسبة لمصر لأنها تحدد مستقبلها، وتفرض احترامها في المنطقة، ومن دون ذلك يعتقد حكم السيسي أن لا مستقبل لمصر قوية لها هيبتها الإقليمية.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى