تراجع النظام الجزائري عن الإصرار على ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، أثبت أنه لم يعد ممكناً بعد اليوم الضحك على الشعب الجزائري واعتباره «غبياً» وإقناعه بالتصويت لشبح رئيس أصبح لوحة وبيانات، فضلاً عن كونه قائد بلد حقيقي.
فتظاهرات الجزائر التي أدت إلى تراجع الشلة الحاكمة من عسكريين ورجال أعمال مقربين منهم ومن شقيق الرئيس سعيد عن ترشيح بوتفليقة، أثبتت نضوج الشعب وقدرته على رفض التهكم منه. لا يمكن أن تفرض هذه الشلة على شعب نصفه من الشباب بأعمار اقل من خمسين سنة، التصويت لرئيس أصبح صورة لشلة تستفيد منه لحماية مصالحها على حساب الشعب.
أما الآن، وبعد أن أدركت هذه الشلة خطأها بترشيحه ولم تلجأ إلى القمع بالسلاح مثلما فعل بشار الأسد مع شعبه، يجدر السؤال: ماذا بعد هذا التراجع؟ البعض في الجزائر يشكك بنوايا الشلة الحاكمة، وكان عدد من المتظاهرين يطالب برحيل النظام وليس فقط برحيل بوتفليقة. أما النظام فقرر التجاوب مع المطلب الشعبي بتأجيل الانتخابات الرئاسية ووعد بتنظيم مؤتمر عام في الأشهر المقبلة يكون بمثابة حوار حول المستقبل ومن يخلف بوتفليقة.
الشائع في الجزائر أن وزير الخارجية السابق الأخضر الإبراهيمي سيقود هذا الحوار، إلا أن الشعب قد يستمر في التظاهر لأنه يشكك في كون الشلة الحاكمة مددت لرئاسة بوتفليقة بتأجيلها الانتخابات وتنظيمها المؤتمر العام لكي تلهي الشعب بهذا الحوار. والخطر أن يقرر الجيش إذا استمرت التظاهرات، قمع الشعب مثلما حدث في ثورة 1988 حين سقط آلاف الضحايا. ولكن، قد يتردد الجيش الآن بقمع الشعب لأن ذلك يدخل الجزائر في فوضى خطيرة وطويلة. والخوف الآخر هو استفادة الإسلاميين من هذه الأحداث. فالمتظاهرون في الجزائر شبان معارضون للنظام القائم وتحركهم كان عفوياً غير منظم. أما الإسلاميون فقد أصبحوا جزءاً من السلطة، لان بوتفليقة أجرى المصالحة الوطنية وترك الإسلاميين يتسلمون إدارة المجتمع المدني، ما أدى إلى تكثيف انتشار أفكار الإسلام السياسي في المجتمع الجزائري أكثر بكثير مما كان قبل 20 سنة.
والخوف اليوم أن قرار إقامة المؤتمر العام وتمديد مهلة الانتقال إلى ستة أشهر، مع احتمال تشكيل طبقة سياسية جديدة، قد يؤدي إلى استفادة الإسلاميين من ذلك. فبنية هؤلاء أكثر تنظيماً وسلطوية من المتظاهرين الحاليين، وان كان هذا الاحتمال غير موجود حالياً في الجزائر، لكن هناك فرصة خلال الأشهر الستة أو خلال الفترة الانتقالية التي قد تطول، لصعود أحد من جماعات الإسلام السياسي. فمن كان يعرف محمد مرسي في مصر عندما بدأت ثورة 25 يناير؟ وحتى لو سبق أن الجيش الجزائري في السابق قمع الإسلاميين بالقوة، فهذا الحل غير وارد هذه الأيام. الحل هو في وضع نهج اقتصادي واجتماعي يصلح لشعب يعاني من بطالة شبابه ومن أوضاع اجتماعية صعبة، علماً ان البلد غني بالغاز والنفط.
النظام القائم هدر الثروة بالفساد ولم يهتم بخلق فرص عمل كما أهمل النظام التعليمي ولم يتح فرصة للاستثمار الخاص الذي يخلق فرص عمل. وهذه في العمق المشاكل الأساسية التي واجهها الشعب الجزائري منذ عقود، فالطبقة العسكرية الحاكمة استفادت لمصالحها الخاصة من الثروة الغازية والنفطية، ولم توفر مستقبلاً واعداً للشباب. والحكومات المتتالية التي شكلها بوتفليقة عندما كان في صحة جيدة مكنته، نتيجة توزيع العائدات الغازية والنفطية في السنوات التي كانت أسعار الغاز والنفط مرتفعة، على البلديات وبناء شبكات طرق واسعة فقط، من دون إصلاح حقيقي للاقتصاد.
والبلد كان يحتاج الى تنويع اقتصاده واستثمارات في مجالات عدة والاستفادة من ارض الجزائر وطقسها لتطوير قطاع زراعي مثلاً، كان بإمكانه جعل الجزائر في مقدم الدول الزراعية. المتظاهرون اليوم لا يصدقون النظام، فماذا بعد بوتفليقة؟ البعض يتحدث عن إمكان ترشيح وزير الخارجية لعمامرة الذي يحظى باحترام كبير. ولكن، هل يدرك النظام انه في خطر، وان عليه ان يأخذ منحى مختلفاً لتحسين أوضاع شعبه. أو انه يريد المزيد من المماطلة لكسب الوقت والاتفاق على من يخلف بوتفليقة، ويكون كفيلاً بمصالحه وليس بمصالح الشعب؟