قالت الدكتورة منى مكرم عبيد،أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية،والمستشار السياسي لرئيس حزب الوفد، كلاماً مردود عليه، في حوارها مع الزميل معتز الخصوصي بموقع صدى البلد الأسبوع الماضي، بمناسبة الحديث عن الاحتفال بثورة 1919!!.
نعم أدرك أنني أقوم بالرد على السياسية الكبيرة، وأستاذة العلوم السياسية المرموقة،وأدرك أيضاً أنني أقوم بالرد على المستشارة السياسية لرئيس الوفد، ولكن ماقالته الدكتورة منى،طعناً فى الذمة المالية، للزعيم مصطفى النحاس باشا، وأسرته، لايمكن السكوت عليه،ولايمكن أيضاً تمريره لأية حسابات سياسية مهما كانت، لأن الرجل الذى أصبح فى ذمة الله، والتاريخ،لايملك حق الرد،ولكنه،ترك وراءه رجالاً،وتلاميذ،بل ومريدين لم يروه مرأى العين،وولدوا بعد وفاته بسنوات،وهم يستطيعون الرد، على أية طعنة تأتى إليه تشويهاً لسيرته، سواء كانت طعنة غادرة من عدو أوضربة غير متوقعة من صديق!!
قالت الدكتورة منى مكرم خلال الحوار « قام مصطفى النحاس باشا من الزواج بزينب الوكيل، ومن قام بتعريف مصطفى النحاس باشا بزوجته زينب الوكيل كانت عايدة زوجة مكرم عبيد باشا، وكانت زينب الوكيل سيدة جميلة وشابة طموحة وتحب المال، وحدثت احتكاكات أثرت على علاقة مكرم عبيد باشا ومصطفى النحاس باشا، لأن مكرم عبيد باشا حينما شغل منصب وزير المالية كان لا يوافق على ما كانت تطلبه زوجة النحاس زينب الوكيل وإخوتها بشأن حصولهم على امتيازات للاستفادة من منصب مكرم عبيد باشا كوزير في الحكومة، لأنه كان دوغرى زى السيف».
طبعاً هذا الكلام غير صحيح، ولا تملك الدكتورة منى دليلاً عليه،والمواقف المختلفة أثبتت،عدم صحته،بل أن كافة التحقيقات،التي صاحبت هذه المرحلة،والقضايا المثارة حولها،أثبتت أن المخالفة الوحيدة التي ارتكبتها السيدة زينب الوكيل،هي تمريرها «فرير» جديد،قامت بشرائه من الخارج، دون دفع الجمارك المستحقة عليه في مطار القاهرة،لأنها اعتبرته من مقتنياتها الخاصة وارتدته أثناء قدومها من أوربا، وبعدما تم تنبيهها إلى ضرورة دفع الجمارك المستحقة على الفرير،الذي تضعه فوق كتفيها، قامت بدفع مبلغ الجمارك المطلوبة فوراً!! هذه هي الواقعة الأبرز والوحيدة والأهم في ملف فساد النحاس وأسرته!! فهو لم يحصل على أراض،أو يختلس أموالاً خلال أداءه لوظيفته،ولم تحصل أسرته على مكاسب،ولم يثبت امتلاك زوجته،التي تنتمي لعائلة ثرية،لأية أموال تزيد عما كانت تمتلكه قبل زواجها من النحاس!!
كنت أربأ بالدكتورة منى أن تقوم بتحويل سبب الخلاف إلى سبب لا يليق الحديث عنه بعد كل هذه السنوات، فكل هذا الزمن الذي مر على الواقعة، يشهد على براءة النحاس وذمته المالية، وكنت أتمنى أن تكتفي بسرد الخلافات السياسية التي حدثت بين النحاس ومكرم، بسبب «طمع مكرم» في رئاسة الوزراء، وهذا الطمع اعترفت به الدكتورة منى نفسها، في جزء آخر من نفس الحوار عندما قالت «كان أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي، يتسم بالمكر لأنه قال للملك فاروق: إذا كنت تريد أن تنتقم من الوفد مزق العلاقة والصداقة بين مكرم عبيد باشا ومصطفى النحاس باشا، وهذا ما حدث فعلا، حيث قال أحمد حسنين باشا لمكرم عبيد باشا: «ليه أنت ما تبقاش رئيس وزارة وديانتك مش عائق كان فيه أقباط قبليك وإنك اقدر من اللي جم قبل مصطفى النحاس باشا»، في الوقت الذي كان يتولى فيها مصطفى النحاس باشا رئاسة الوزارة مما زاد من احتقان العلاقة بين مكرم عبيد باشا ومصطفى النحاس باشا».
طبعاً مكرم عبيد قام بتنفيذ الاتفاق بشكل عنيف،وهو ما سرده مصطفى النحاس باشا، عام عندما وجد خروج غريب عن الالتزام الحزبي، من مكرم عبيد داخل البرلمان، ويحكى النحاس واقعة إقالة مكرم عبيد من الوفد ووزارة المالية علم 1942قائلاً..«ذهبت ذات ليلة لحضور جلسة مجلس النواب، وكان أحد نواب المعارضة يتكلم في استجواب، ووجه النقد للوزير المختص ثم أعقبه عضو ثان، فانتقد الحكومة كلها ورئيسها لأنها مسئولة عن هذا التصرف مسئولية كاملة، فإذا بـ«مكرم عبيد» يطلب الكلمة فأيد صاحب الاستجواب وزميله فيما قالاه، وسأله رئيس المجلس: هل تتكلم بصفتك الشخصية أم بصفتك الحكومية؟ فأجاب مكرم: أتكلم بصفتي سكرتيرا لحزب الوفد، ووزيرا للمالية..هنا استأذنت رئيس المجلس في أن أتكلم ووقفت، وقلت بصفتي رئيسا للوفد المصري، أعلن أن معاليه لم يعد سكرتيرا لـ«الوفد»، وبصفتي رئيسا للوزراء أعلن أنه لم يعد وزيرا للمالية»!!.
النحاس أصيب في قلبه بطعنة صديق أوجعته،حتى أنه قال عما فعله مكرم «ظني خاب في صديق العمر، وتقديري أخطأ في رفيق النفي والسجن والجهاد، ولم أضق به مع تكرار اعتداءاته، بل احتملته حتى بلغ السيل الزبى».
نعم كانت صداقة لا مثيل لها، ولا تتكرر كثيراً في السياسة،تحدثت عنها الدكتورة منى مكرم عبيد نفسها، عندما قالت أن النحاس كان يقوم بدور الممرض لأخيه مكرم عندما أصيب بالملاريا في المنفى الذي قضيا فيه وقتاً طويلاً مع سعد زغلول في جزيرة سيشل.
إلا النحاس يا دكتورة منى…مصطفى النحاس هو قديس السياسة،الذي لا يمكن أن نصدق عنه مالا يمكن تصديقه، فهو سيد الناس، وحبيب الوفديين، ولن نصدق هذه الحكايات التي يتم سردها عنه بلا سند أو دليل!
tarektohamy@alwafd.org