نون والقلم

عادل السنهوري يكتب: 100 سنة 1919.. ثورة 19 بين السياسة والسينما

اليوم.. 9 مارس تحتفل مصر بمرور 100 عام على اندلاع ثورة 1919 وبقائدها سعد زغلول ورفاقه، وأظن أنه يجب الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية المهمة بما يليق بها وبحجم التضحيات التي قدمها الشعب المصري من أجل حريته واستقلاله ولا يمكن اختزال الاحتفال فقط في حزب الوفد فقط لأنها ثورة كل المصريين رغم أن أجيالا كثيرة لم تعرف عنها سوى من السينما التي قدمت عددا من الأفلام مأخوذة عن روايات أدبية.

فالكتابة السياسية لم تقدم- حتى هذه اللحظة- التوثيق الحقيقي لتفاصيل وحكايات وروايات ثورة 19 والأبطال الحقيقيين المجهولين الذين أدوا أدوارا بطولية ووطنية رائعة، فمع كامل التقدير للمحاولات التي قام بها عدد من المؤرخين للتوثيق والتأريخ للثورة، إلا أنه بالتأكيد ما زالت جوانب سياسية كثيرة لم يتم رصدها.

بفضل السينما تعرفت الأجيال التي ولدت وعاشت بعد مارس 19 على الثورة، حتى لو كان ذلك بشكل احتفالي وكرنفالى، وأصبحت جملة «سعد سعد.. يحيا سعد»- وما زالت- يرددها المصريون، وهى الجملة التي ألهبت حماس الشعب المصري أثناء الثورة وبفضل فيلم «بين القصرين» وهو أول أفلام ثلاثية نجيب محفوظ.. فقد ارتبطت الثورة عند ذكرها باثنين من رواد الفن والأدب، هما سيد درويش ونجيب محفوظ، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن السينما والفن هما الأكثر أهمية وتأثيرا في حفظ تراث الأمة وتاريخها، حتى لو كان ذلك بقليل أو كثير من الاحتفاء والاحتفال والتمجيد.

المفارقة أن الأعمال السينمائية التي تناولت وعالجت أحداث ثورة 19 تم إنتاجها وعرضها في فترة الخمسينيات والستينيات، أي بعد قيام ثورة يوليو 52 وهو ما يفند فكرة العداء التي حاول البعض اختلاقها بين الثورتين، والصدام بينهما وتوريث الأجيال لعداوة لم توجد إلا في أذهان أصحاب المصالح وعجائز السياسة والمتضررين من كل تحول ثوري، فالثورات تاريخ نضالي متصل غير متقاطع.

اعتمدت الأعمال السينمائية التي عالجت ثورة 19 على الأدب وخصوصا أدب نجيب محفــوظ الذي كـــتب في فترة الأربعينيات، أي قبل ثورة 23 يــوليو 1952 حيث جرى تناول مجتــمع ثــورة 1919 في روايات «القاهرة 30» و«بداية ونهاية» و«خان الخليلي» و«زقاق المدق» واختتم ذلك بالثلاثية بين القصرين، قصر الشوق، السكرية. السينما بشكل عام جسدت ثورة 19 في عدد قليل من الأعمال، من بينها فيلم «مصطفى كامل» الذي تم عرضه في 14 ديسمبر 1952 من إخراج أحمد بدرخان وبطولة أنور أحمد وحسين رياض ومحمود المليجى وأمينة رزق وقصة المناضل الوطني فتحى رضوان ويدور حول قصة حياة الزعيم مصطفى كامل، وعلى الرغم من أن الزعيم توفى قبل الثورة بسنوات، فإن أحداث الفيلم بدأت من ثورة 1919؛ ليعود الفيلم بالمشاهد «فلاش باك» حتى يصل إلى الزعيم مصطفى كامل ورحلته الوطنية وفترة نضاله من أجل الاستقلال.

لكن بالبحث عن أول فيلم مصري وثق لثورة 19 نجد أنه الفيلم الصامت «برسوم يبحث عن وظيفة».. والذي تم إنتاجه عام 1923 ومدة عرضه 16 دقيقة، فقط ونال لقب أول فيلم تم تصويره على مستوى القارة الإفريقية، وهو من بطولة: بشارة واكيم، عادل حميد، فيكتوريا كوهين، فردوس حسن، عبد الحميد زكى، محمد يوسف، سيد مصطفى، وهو من إخراج وتأليف محمد بيومى.

وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي، بين الترابط بين المسلمين والمسيحيين، فالبطل «برسوم»، هو مسيحي تربطه علاقة صداقة قوية بالشيخ متولي، والاثنان عاطلان عن العمل، ويعانيان من الفقر والجوع، ثم يتنافسان للحصول على وظيفة في أحد البنوك، الذي أخطأ مديره عندما دعاهما إلى مأدبة غداء بمنزله؛ ظنا منه أنهما رجلا أعمال، إلا أنه يكتشف الحقيقة ويطردهما، لتتوالى الأحداث بينهما، في ظل استمرارهما في البحث عن وظيفة. ويلاحظ من يشاهد الفيلم أن صورة سعد زغلول تأتى في أكثر من مشهد في العمل، كما أن العبارات المنتشرة على جدران البيوت، والتي توضح مدى ارتباط المصريين بثورة 1919، أصر المخرج محمد بيومي على تصويرها والتركيز عليها بشكل عمدي يدل على رغبته الشديدة في توثيق تلك الحالة. في النهاية الفيلم كان نقلة في تاريخ السينما، كما أنه فتح لعدد من الأفلام التي صورت من بعده أن تناقش الوحدة الوطنية، ولم يعان الفيلم من أزمات التوثيق، كعدد آخر من الأعمال التي خرجت من بعده وفقدت هويتها. ولم تمر الثورة دون أن يصورها الأديب الراحل توفيق الحكيم في رواية «عودة الروح»، وهى رواية تصوّر شعبًا بأكمله عبر تمثيله في أسرة جمعها نفس المشهد في البداية والنهاية.

وقد ظهرت في هذا العمل، الذي يعد من أهم الأعمال في فجر القصّة المصرية، الروح الواحدة المتمثلة في أسرة جسَّدت سمات الشعب المصري عندما مر بظروف عصيبة، كما صوّرت مرحلة الأزمة التي عاشها الشعب في عام 1919، فبات الشعب كجسد واحد عادت إليه الروح في تلك الفترة الفارقة من تاريخ مصر، وقد التفَّت تلك الروح حول رمز الثورة وزعيمها سعد زغلول.

أما رواية «بين القصرين»، لصاحب نوبل نجيب محفوظ، فجسدت مسار أسرة السيد احمد عبد الجواد- «سى السيد»- خلال فترة الاحتلال الإنجليزي قبيل اندلاع 1919، بدءًا من رب الأسرة الذي يتعامل بصرامة شديدة مع أفراد عائلته، بينما هو يعيش ليلًا حياة من اللهو والانحلال، وابنه فهمى الذي ينضم لأحد التنظيمات السياسية السرية، والابن الأكبر ياسين الذي يحذو حذو والده في ملاحقة النساء.

وقد تحولت «بين القصرين»، فيما بعد لفيلم عرض في 1964، للمخرج حسن الإمام، بطولة يحيى شاهين، وآمال زايد، ومها صبري، وصلاح قابيل، وعبد المنعم إبراهيم، وهالة فاخر، ونعمت مختار، وسمير صبري.

ثم جاءت رواية «قصر الشوق»، لتصور حياة أسرة سى السيد في منطقة الحسين، بعد وفاة نجله فهمى في أحداث الثورة، وتعرض حكاية الابن الأصغر كمال، الذي كبر ورفض أن يدخل كلية الحقوق، مفضّلا المعلمين، لشغفه بالآداب والعلوم والفلسفة، وكذلك يتعرض لحياة نجلتى السيد أحمد وزوجيهما وعلاقتهم ببعض، وزواج ياسين وانتقاله إلى بيته الذي ورثه من أمه في قصر الشوق، وتنتهي أحداث القصة بوفاة سعد زغلول. نأتي للاسم الثاني الذي ارتبط بثورة 19 وهو الموسيقار العبقري سيد درويش التي ارتبطت أغنياته «بلادى بلادى» و«قوم يا مصري» و«أنا المصري» بشكل كبير بثورة 19، حيث ركزت على استنهاض الهمم والفخر بالأصل المصري.

إسهامات سيد درويش أثناء ثورة 19 لم تكن غنائية صرفا، بل كانت مسرحية أيضا، خصوصا بمسرحية «قولوله» التي كتبها بديع خيري، وقدمتها فرقة «نجيب الريحانى»، وكانت مسرحية غنائية تتناول أيضا نفس الأفكار، بل وكانت إحدى أغنيات المسرحية بعنوان «بنت مصر» التي قدمت على إثر استشهاد حميدة خليل ودرية شفيق، أول شهيدتين مصريتين.

السينما المصرية وبعد ثورة يوليو أعادت الاعتبار لثورة 19 بأعمال سينمائية عديدة مثل فيلم «سيد درويش» بطولة كرم مطاوع وفيلم «الجزاء» أول فيلم من إخراج الأديب عبدالرحمن الخميسى، عام 1965، ومنح فيه البطولة لشباب الممثلين، منهم رشوان توفيق، وحسين الشربينى، وشمس البارودى.

وفيلم «ثمن الحرية» بطولة عبد الله غيث وكريمة مختار وفيلم «إضراب الشحاتين» وفيلم «شياطين الليل» إخراج نيازى مصطفى عام 1966.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى