نون والقلم

د.إدريس لكريني يكتب: الهند وباكستان.. صراع متجدد

عاد التوتر ليخيّم من جديد على العلاقات الهندية – الباكستانية، في أعقاب تبادل إطلاق النار بين القوات العسكرية على حدود البلدين، ما أسفر عن مقتل جنديين من باكستان بعيد تسليم هذه الأخيرة الطيار الهندي لبلده بعد إسقاط طائرته في أجواء منطقة كشمير.

وتبادلا الاتهامات بشأن المبادرة إلى إطلاق النار بين الجانبين، ما خلّف عدداً من الضحايا، ودفع الطرفين إلى إطلاق تصريحات لا تخلو من مبالغة وتضارب بشأن الخسائر والضحايا والمسؤولية.

وبالرغم من رفض باكستان للاتهامات الموجهة إليها بشأن دعم متشدّدي طالبان، أو بالضلوع في العمليات المسلحة التي يشهدها إقليم «كشمير» بين الحين والآخر، فإن الهند تصر على ضرورة اتخاذ باكستان لخطوات بنّاءة لمكافحة «الجماعات الإرهابية» داخل أراضيها.

منذ استقلال باكستان عن الهند عام 1947، والعلاقات بين الدولتين تشهد مسارات من التوتر والاضطراب، بفعل تباين المصالح بينهما ووجود ملفات متراكمة ظلت مستعصية على الحل، أهمها الصراع حول إقليم «كشمير» الحيوي، وقد ازدادت مخاطر هذا الصراع مع دخول الجانبين في سباق نووي محموم، كاد في الكثير من المناسبات أن يغرق المنطقة برمتها في حرب مدمّرة ومكلفة.

يمتد الصراع الهندي- الباكستاني لأكثر من نصف قرن من الزمن، تورّط خلاله الطرفان في ثلاث حروب، اثنتان منها بسبب إقليم كشمير. كانت المواجهة الأولى بسبب هذا الإقليم سنة 1947، أما الثانية، فاندلعت عام 1965 بفعل النزاع على هذا الإقليم أيضاً، بينما اندلعت المواجهة المباشرة الثالثة بينهما في بداية السبعينات من القرن الماضي، بعدما تدخلت خلالها الهند لدعم بنجلادش عسكرياً لتستقل وتنفصل نهائياً عن باكستان عام 1971.

وفي صيف عام 1999 كادت الأوضاع أن تخرج عن نطاق التحكم والسيطرة من جديد، وأضحى اندلاع الحرب بين الجانبين وشيكاً، بعد اتهامات بعبور جنود باكستانيين لخط المراقبة بين البلدين، قبل أن تنتهي الأزمة بسحب الجنود إلى ما وراء الحدود.

وبالعودة إلى مشكلة «كشمير» التي تعد محوراً أساسياً في الصراع بين الطرفين، فإن ما يستدعي حالة التوتر بين البلدين هو وجود معارضة كشميرية مسلحة تناوش القوات الهندية في الإقليم على الدوام، وتشن هجمات على مواقع هندية باستمرار كما حصل مؤخراً، فتبادرت الهند إلى اتهام باكستان بدعم هذه الجماعات أو إيوائها.

ويعتقد بعض الباحثين والمراقبين أن حركة المعارضة المسلحة في كشمير، مستقلة يتزعمها سكان الإقليم.

تطوّر الصراع بين الطرفين ليأخذ طابعاً استراتيجياً، وهو ما عكسه توجه الطرفين منذ فترات مبكرة إلى السعي للولوج إلى النادي النووي، فخروج باكستان في مطالع السبعينات منهزمة في حربها مع خصمها التاريخي الهند، وما تلاها من انفصال باكستان الشرقية عنها (بنجلادش)، ودخول الهند سنة 1974 معترك التجارب النووية دفع بها- باكستان – إلى تعزيز جهودها في سبيل امتلاك هذا السلاح لتأمين كيانها واستقلالها في إطار سياسة الردع المتبادل.

وفي صيف عام 1998 وبعد أن أجرت الهند خمس تجارب نووية دفعة واحدة، كرسالة منها للصين وباكستان؛ لتؤكد تموقعها ضمن التوازن الاستراتيجي داخل المنطقة، وطموحها لنزع اعتراف دولي يقر بها كقوة دولية كبرى، قامت باكستان وكرد فعل على ذلك؛ بإجراء ست تجارب مماثلة، وهو الأمر الذي خلّف مزيجاً من الدهشة والترقب والخوف في أوساط المجتمع الدولي من أن يتحوّل هذا السباق النووي المحموم الذي اتخذ مسار تجارب على صواريخ بعيدة المدى قادرة على نقل رؤوس نووية، إلى مواجهة مباشرة تعصف بالأمن الإقليمي للمنطقة برمتها.

بعد استقلالها بسنوات، عملت باكستان على الدخول في تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار معاهدة جنوب شرق آسيا، لكن تخلّف الولايات المتحدة عن دعمها في حربها ضد الهند عام 1965 أثّر سلباً في هذا التحالف.. وفي بداية الثمانينات شكل التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان مناسبة أخرى لتجديد العلاقات الأمريكية- الباكستانية، إلا أن هذه المحاولات ما فتئت أن تعثّرت وباءت بالفشل بعد تأكد الولايات المتحدة من دخول باكستان حقل التجارب النووية، وخاصة بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان.

أما الهند، فقد تزعمت خلال فترة الحرب الباردة حركة عدم الانحياز، مع ميل طفيف إلى التعاون مع الاتحاد السوفييتي باعتباره داعماً لحركات التحرر في العالم، وذلك على خلفية مواجهة التحالف العرضي الباكستاني – الأمريكي والتعاون المتنامي بين باكستان والصين.

ومع نهاية الحرب الباردة وبحكم تطابق وانسجام المصالح الهندية والأمريكية في منطقة جنوب آسيا، عاد الدفء إلى العلاقات بينهما من جديد؛ حيث أصبحت الولايات المتحدة تعتبر الهند بمثابة قوة إقليمية كبرى، وتحفزها على مواجهة العملاق الصيني القادم والخطر الإسلامي المتنامي في المنطقة، وهذا ما شجع الهند على استثمار هذه المعطيات في تحجيم أي دور إقليمي مأمول لباكستان.

إن امتلاك باكستان للسلاح النووي، أثار قلق الهند والولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تنتعش العلاقات الأمريكية – الباكستانية، بسبب المراهنة الأمريكية على دعم «جهود السلام» الحالية في أفغانستان.

لا تعير الولايات المتحدة، اهتماماً كبيراً للقضية الكشميرية، في حين تتخوف كثيراً من سباق التسلح النووي بين الطرفين، فهي لا تحبذ نشوب حرب بين الجارتين: الهند وباكستان، حرصاً على مصالحها الحيوية في المنطقة، لكن السباق النووي المحموم بين هذين القطبين وتوتّر الأوضاع على الحدود(منطقة جامو) باستمرار، يثير قلقها، ذلك أن ترك حبل هذا السباق على الغارب من شأنه أن يجعل الأمور تخرج عن نطاق السيطرة والتحكم.

drisslagrini@yahoo.fr

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى