نون والقلم

أحمد الحناكي يكتب: من «وهران» لـ«أم درمان».. إنها قلوب مكلومة

 ظروف كثيرة تتشابه وتتقاطع بين البلدين الشقيقين الأفريقيين العربيين، إلا أنها توحدت هذه الأيام باحتجاجات بالغة من شعبيهما إثر تقدم رئيسيهما بترشيح أنفسهما لفترة رئاسية قادمة، عن طريق تعديل الدستور الذي يتيح للرئيس الجزائري فترة خامسة بعد أن كانت فترتين، بينما نقض الرئيس السوداني وعده الذي قطعه بعدم ترشيح نفسه للرئاسة للمرة الثالثة.

الكل يعلم أن الديموقراطية في الدول العربية انتقائية؛ فالترشيح ينحصر في مجموعة «لوبيات»، وهذه «اللوبيات» تتفق في ما بينها من يصل، وعندما يصل «يتفرّد» بالحكم حتى يموت أو يقتل أو يثور عليه شعبه.

أخبار ذات صلة

الاختلاف بين عبدالعزيز بوتفليقة وعمر البشير هو في خطهما السياسي، ففي الجزائر ينتمي بوتفليقة إلى خط عروبي قومي، فيما البشير إسلاموي، ومسيرة الاثنين في إدارة البلدين تميل بشكل واضح إلى كفة بوتفليقة الذي تحولت الجزائر في عهده إلى بلد أكثر استقراراً، طوّر فيها الاقتصاد وأصدر قوانين إيجابية للأسرة والفساد والوحدة الوطنية، في المقابل لم تكن فترة البشير الذي وصل قبل 30 عاماً عبر انقلاب عسكري على حكومة رئيس حزب الأمة المنتخبة ديموقراطيا الصادق المهدي، إلا بؤرة من المشاكل العويصة التي أدخل بها السودان إلى أتون من الدكتاتورية والغلاء والفساد والعلاقات المتوترة مع الجيران، إضافة إلى «الكارثة» التي كرسها بقبوله انفصال الجنوب.

صحيح أن بوتفليقة بدأ المسار بشكل إيجابي عام 1999 إلا أنه رفض التخلي عن السلطة، خاصة بعد إصابته بجلطة أثرت على قدراته التي يرجح على إثرها أنه ليس هو من يدير الحكم في بلاده، بالتالي الرفض حقيقة ليس لشخص بوتفليقة، بل لأن معارضيه يرون أنه انتهى جسدياً وصحياً وهناك من يحكم باسمه.

رفض البشير التنحي وإصراره على الاستمرار وترشيح نفسه للرئاسة هو ركوب رأس العناد والتضحية بالجميع في سبيل عرشه في الخرطوم، ولا يفهم المرء حقيقة ماذا يريد أمثال البشير من رئاسة تعتاش على جماجم الأبرياء من أبناء شعبه.

خروج الحشود الغفيرة المحتجة في كلا البلدين، وبالذات السودان، هي إشارة واضحة وجدية إلى استفحال الوضع فيهما، فالشعوب لا تخرج للشوارع إلا عندما «يبلغ السيل الزبى»، ولو افترضنا أن الرئيسين استمرا ورفضا الإصغاء إلى رغبة شعبيهما فقد ينجحان، لكنه نجاح أقرب إلى الهروب من جرف إلى هاوية، فكيف السبيل إلى حياة تحيط بها النفس عِداء من الجميع؟!

الجانب الأهم هو: ما هو الرصيد الذي يبني عليه الاثنان برفضهما التنحي من جهة وكسر الدستور من جهة أخرى؟ هل خلَت الجزائر (بلد المليون شهيد) إلا من بوتفليقة الذي يكاد لا يعي من حوله في السنوات الأخيرة؟ وهل خلت السودان (سلة العالم الزراعية وبلد الأطباء والمهندسين والقانونيين والمثقفين والاساتذة) إلا من حاكم أعادها إلى الوراء سنوات طويلة وفصل جزءا كبيرا من الدولة بالتنازل عنه وحول السلة الزراعية إلى أراضي جدباء؟

في الأخير.. هناك ما لم يضعه الرئيسان في الحسبان وهو التوقيت، إذ اختلف الوضع تماماً بعد ما يسمى بـ«الربيع العربي»، فما كان مقبولاً قبل أعوام لم يعد مقبولاً الآن، وحاجز الخوف الذي صنعه الطغيان في السابق بدأ ينكسر وأصبحت الحكومات في البلدان العربية تحسب ألف حساب لكل خطوة أو قرار أو تغيير.

وعندما نقول «الربيع العربي» فنحن نتحدث أيضا عن أدواته التي تتركز في وسائل الإعلام الجديد، منها «تويتر وفيسبوك ويوتيوب»، ناهيك عن الإنترنت والإذاعة والتلفزيون، كل هذه تضع الحاكم ووزراءه أمام «مجهر» الشعوب وامتحانه القاسي، فكيف ينجح من كان أداؤه في واجباته تحت الصفر؟!

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى