نون والقلم

طارق تهامي يكتب: حكاية الشهيدة الأولى فى ثورة 1919   

معظم الكتب والوثائق التي يتم تداولها حول اسم أول سيدة سقطت شهيدة للحرية في ثورة 1919 تختلف حول اسم هذه السيدة؟.

بعض الكتب تقول إنها «شفيقة محمد» التي سقطت يوم 16 مارس أمام منزل سعد زغلول!!ولكن هناك وثائق أخرى،تتحدث عن اسم حميدة خليل باعتبارها الشهيدة الأولى التي سقطت في نفس المكان والزمان!! طبعًا الحكاية تحتاج إلى توثيق ومراجعة ومساهمة من كل المهتمين بتوثيق هذه اللحظات التاريخية المهمة من تاريخ العمل الوطني الذي لا يتكرر، ومُتاح للجميع تصويب ما نكتب، وتوثيقه، حتى نصل إلى الصواب الذي يحتمل أيضًا الخطأ حتى يتم تصحيحه بوثائق ومعلومات أكثر منه دقة!!

أخبار ذات صلة

رائدة الحركة النسائية في مصر السيدة «هدى شعراوي» قالت إن «شفيقة محمد» هي أول شهيدة في الثورة،بل إنها كتبت عنها قائلة.. «لن أنسى الأثر المحزن الذي أحدثه ضرب أول شهيدة مصرية وهى السيدة شفيقة بنت محمد في نفوس الشعب عامة، وقد تجلى ذلك في تشييع جنازتها التي اشتركت فيها كل طبقات الأمة حتى صارت جنازتها مظهرًا من مظاهر الوطنية المشتعلة».. شفيقة محمد عشماوي مصرية يانعة تنتمي للطبقة المتوسطة، كانت تسكن حي الخليفة، وعلى الرغم من أنها كانت في أوج شبابها، كانت أرملة.. كان والدها مقاولًا وهو أحد أعضاء أحد الأحزاب السياسية المصرية التي تنتمي إلى التيار الليبرالي، لذلك تمخضت داخلها دوافع حب الوطن والسياسة، لم تكن من الفتيات اللاتي استسلمن واستسلم أهلهن لقيود المجتمع آنذاك التي لا ترى أهمية لتعليم الفتاة، فقد حرص أهلها على أن تتم تعليمها الابتدائي وبالفعل حصلت على الشهادة.

ولكن مصادر أخرى قالت إن أول شهيدة في ثورة 1919 هي حميدة خليل، ونقرأ كثيرًا من الكتب التي تتحدث عنها باعتبارها أول سيدة تتلقى رصاص الإنجليز يوم 16 مارس 1919، حتى أن المجلس القومي للمرأة في مصر يعتمد هذه الشهادة، ويسجل على موقعه هذه المعلومات التي تقول.. « الفتاة الثائرة (حميدة خليل) من حي الجمالية بمدينة القاهرة، كان سقوطها بالرصاص الانجليزي وهى تشارك في الصفوف الأولى أثناء تظاهرة أمام مسجد الحسين، هو المفجر الأساسي لثورة 1919..  انضمت إلى صفوف الثوار من أمام مسجد الحسين حيث أعلن المصريون غضبهم من استمرار الاحتلال الإنجليزي لمصر، خلف برقعها الأبيض وضحت عيونها الواثقة وانطلقت هتافاتها التي حركت الجميع من الصفوف الأولى في الثورة، رفعوا شعارات التنديد بالاحتلال والاستعمار الإنجليزي ومطالب بعودة زعيم الأمة من المنفى، كان الهتاف واحدًا «سعد سعد يحيا سعد، يحيا الهلال مع الصليب».. لم يكن أحد يعرف اسمها بعد، واحدة من ضمن عدد قليل من السيدات اللاتي قررن الخروج للإعلان عن رفضهن للاحتلال الإنجليزي، ولكن بعد ساعات قليلة في 16 مارس 1919 كانت دماؤها التي سالت برصاص الاحتلال الإنجليزي تكتب التاريخ وتضعها كأول شهيدة في صفوف الثائرات المصريات، ويتناقل خبرها الجميع لتتحرك الثورة ويعم الغضب فى ربوع البلاد».

إذن لدينا شهادتان متناقضتان،إحداهما تمنح «شفيقة» صفة أول شهيدة والأخرى تمنحها لـ «حميدة».. تعالوا نقرأ ما كتبه المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، وهو واحد من أهم مؤرخي ثورة 1919، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق،حيث إنه كان معاصرًا للثورة،ومسجلًا ليومياتها،ولكل ما يكتبه قيمة يعرفها الباحثون،الذين يستعينون بكتاباته،لتوثيق أحداث تاريخية مهمة سواء لمرحلة الثورة العرابية، أو ثورة 1919 وما بعدها.

وصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعي مشهد المظاهرة النسائية التي تحدث لأول مرة قائلًا: «خرجت المتظاهرات في حشمة ووقار، وعددهن يربو على الثلاثمائة من كرام العائلات، وأعددن احتجاجًا مكتوبًا ليقدمنه إلى معتمدي الدول، طالبن فيه بإبلاغ احتجاجهن على الأعمال الوحشية، التي قوبلت بها الأمة المصرية، ولكن الجنود الإنجليز لم يمكِّنوا موكبهن من العبور، فحين وصلت المتظاهرات إلى شارع سعد زغلول (ضريح سعد زغلول حاليًا)، قاصدات بيت الأمة ضربوا نطاقًا حولهن ومنعوهن من السير، وسددوا حرابهم إلى صدورهن، وبقين هكذا مدة ساعتين تحت وهج الشمس الحارقة، بل تقدمت هدى شعراوي وهى تحمل العلم المصري إلى جندي، وقالت له بالإنجليزية «نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك إلى صدري لتجعلني مس كافيل أخرى»، فخجل الجندي، وتنحى للسيدات عن الطريق وجعلهن يعبرن.. و«مس كافيل» ممرضة إنجليزية، أسرها الألمان في الحرب العالمية الأولى وأعدموها رميًا بالرصاص، وكان لمقتلها ضجة كبيرة في العالم.. وظهرت المشاركة الإيجابية النسائية في صورة لم يعتدها المجتمع، بخروجهن لأول مرة في المظاهرات الحاشدة والمنظمة إلى الشوارع في ثورة 1919، وكانت أول شهيدتين فى هذه الثورة السيدتين «حميدة خليل» و«شفيقة محمد».

إذن.. عبد الرحمن الرافعي لم يقل لنا من هي أول شهيدة في ثورة 1919 ولكنه سجل شهادة السيدتين في فقرة واحدة.. ويبدو أن عبد الرحمن الرافعي نفسه لم يتمكن من توثيق اللحظة، ولم يستطع من خلال شهود العيان تحديد اللحظة التي سقطت فيها كل شهيدة منهما.. وغالبًا أنهما سقطتا في نفس الساعة،وربما في نفس الدقيقة.. ليبقى السؤال المُحير.. أيهما أول شهيدة في ثورة 1919..  «حميدة خليل» أم «شفيقة محمد»؟!

‏tarektohamy@alwafd.org

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button