منذ صدور قانون تقسيم الهند في الخامس عشر من أغسطس عام 1947 وظهور باكستان كدولة مستقلة قبل إعلان القانون بيوم واحد، منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا لم تشهد العلاقات الهندية الباكستانية هدوءا أمنيا وسياسيا طويلا، وإنما ظلت التوترات تشوب العلاقات بين البلدين على مدى العقود السبعة الماضية تخللتها حروب من العيار الثقيل بينهما كانت أولها في نفس عام استقلال باكستان، والتي أدت إلى تقسيم إقليم كشمير بين الدولتين وهي المنطقة التي بقيت حتى الآن نارا مشتعلة تخفت أحيانا وتستعر أحيانا أخرى كما هو الحال الآن، كما نشبت حرب ثانية بين الدولتين في عام 1965 انتهت بتوقيع اتفاقية طشقند، لكن الحرب الثالثة كانت الأشد بين البلدين والتي اندلعت في عام 1971 وانتهت بقيام جمهورية بنجلاديش على أنقاض ما كان يعرف آنذاك بباكستان الشرقية.
ما تشهده العلاقات الباكستانية الهندية من مناوشات عسكرية وقصف جوي متبادل بين الطرفين في منطقة كشمير يأتي في سياق العلاقات المتوترة بين البلدين رغم المحاولات التي بذلت من قبل للتهدئة وتطبيع العلاقات بينهما إلا أن جميع هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح حتى جاءت «القشة التي قصمت ظهر البعير»، كما يقول المثل عندما قام مسلحون متطرفون تقول الهند إنهم يتخذون من باكستان منطلقا لعملياتهم العسكرية في الجزء الهندي من إقليم كشمير بمهاجمة دورة للجيش الهندي ومقتل أربعة وأربعين جنديا هنديا، الأمر الذي اعتبرته الهند تصعيدا خطيرا واتهمت المخابرات الباكستانية بدعم المسلحين وتوعدت بالرد العسكري ونفذت تهديدها حين قصفت معسكرات لتدريب المسلحين داخل باكستان وردت الأخيرة بإسقاط طائرتين عسكريتين هنديتين وأسر طياريهما.
التصعيد الأخير في العمليات العسكرية بين البلدين الجارين يختلف من حيث الخطورة عن جميع الحروب والمناوشات العسكرية التي حدثت من قبل، بما في ذلك حرب عام 1971 الكبيرة التي أدت إلى تقسيم باكستان وتأسيس جمهورية بنجلاديش الشعبية، تكمن خطورة ذلك في التغير والتحول النوعي في القدرات العسكرية للبلدين بعد إدخال كل منهما السلاح النووي في ترسانتها العسكرية، لهذا يمكن وصف ما يحدث الآن من صدامات بين البلدين النوويين إنما هو تفريغ للشحنات العدائية التاريخية أكثر من وصفها بالحرب الشاملة، ذلك لأن الحروب الشاملة بين البلدين انتهت عمليا بدخول السلاح النووي في ترسانتهما العسكرية.
القدرات العسكرية التقليدية لباكستان لا تضاهي القوى العسكرية الهندية، لكن الحديث لم يعد يدور حول القدرات التقليدية وبالتالي فإن جميع المراقبين يرجحون عدم تصاعد النزاع بينهما إلى حرب شاملة، أضف إلى ذلك أن المجتمع الدولي، وخاصة دول الجوار المؤثرة التي تمتلك علاقات تاريخية قوية مع البلدين وفي المقدمة منها روسيا والصين لا يمكن أن تسمح بتصاعد النزاع إلى درجة الحرب الشاملة خشية من أن تتطور إلى الأسوأ، وخاصة من جانب الطرف الذي يشعر بأنه الأضعف من الناحية العسكرية التقليدية، أضف إلى ذلك أن حربا من هذا النوع سوف تمتد آثارها إلى دول الجوار وهو ما لا يمكن السماح به.
من الناحية العملية وبغض النظر عن مستوى التفاوت في موازين القوى العسكرية والاقتصادية بين البلدين، فإن أيًّا منهما ليس له مصلحة في اندلاع حرب شاملة في المنطقة؛ لأن نتائجها وأضرارها ستكون مدمرة على الجانبين بكل تأكيد، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى، فليس هناك أي هدف من الطرفين يريد تحقيقه من وراء مثل هذه الحرب، وبغض النظر عن الخلافات العميقة بينهما بشأن وضع إقليم كشمير، فإن النتائج التي أفضت إليها حرب عام 47، أي حرب تقسيم الإقليم بين البلدين، لا يمكن إلغاؤها، فليس بينهما من هو على استعداد للتنازل عن الجزء الذي يقع تحت سيطرته، هذه القضية، أي قضية كشمير، هي في الواقع بؤرة التوتر المشتعلة بين البلدين وهي التي قد تجرهما إلى الحروب الحدودية، لكن ليس هناك من يضمن عدم تجاوزها ذلك.
من المعروف أن هناك قوى كشميرية انفصالية ترفض نتائج حرب 47 بشأن تقسيم الإقليم، وهي تقاتل من أجل توحيد شطري كشمير وإخضاعه بالكامل تحت السيطرة الباكستانية، وهذا ما ترفضه الهند رفضا مطلقا وتعتبره بمثابة الخط الأحمر الذي لن تسمح بتجاوزه، وهي لن تتردد في الدخول في الحرب مع باكستان للدفاع عن موقفها المذكور ما لم يوضع حد لنشاط القوى الانفصالية المتطرفة التي تتخذ من باكستان قواعد تدريب لأنشطتها، كما حدث مؤخرا مع الدورية العسكرية الهندية وهو الحادث الذي تسبب في الصدامات العسكرية الأخيرة بين البلدين.
فحالة عدم الاستقرار على الحدود بين البلدين وتحديدا في إقليم كشمير، ستبقى قائمة طالما بقيت هذه القوى تمارس دورها العسكري الانفصالي وتتعرض بين الحين والآخر للقوات الهندية في الجزء الهندي من الإقليم، فما أفرزته حرب عام 1947 من نتائج، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل تغييرها، وبالتالي يجب أن تكون النتائج المذكورة هي أساس ومنطلق للتطبيع الشامل بين البلدين لأن حالة عدم الاستقرار والتوتر الدائم قد يتطور ويقود البلدين إلى صدامات عنيفة لن يجني أي منهما فائدة من ورائها، سوى المزيد من الخسائر والأضرار البشرية والمادية والاقتصادية، ولتحقيق ذلك يجب عدم السماح للجماعات الانفصالية التي تتخذ من باكستان قواعد لأعمالها أن تجر الطرفين إلى مثل هذه الصدامات العسكرية الخطيرة .
ayoobi99@gmail.com