في ظل الكلام المنقول عن بعض الجهات الدولية٬ وبالأخص التصريحات الروسية التي تعبر عن موقف موسكو النهائي من حل الأزمة السورية٬ والتي ترى بـ”بقاء” رئيس النظام السوري “ضرورة” لإنهاء “داعش”٬ بدأت الأصوات ترتفع في سوريا حول ظاهرة أغنياء الحرب الذين ترعرعوا في ظل حماية من النظام الأمني لمؤسسة جيش النظام بمختلف فروعها العسكرية والمخابراتية. وأن الحل “ببقاء الأسد” يعني “بقاء الفساد وتكريم أثرياء الحرب الذين غنموا أملاك السوريين عنوة وغصباً وقهراً”.
بالإضافة للقلق من أن يكون أغنياء الحرب الذين أجهزوا على ما تبقى من موارد الحياة لدى المواطن السوري الذي قتلته أو شردته حرب النظام على المعارضة٬ سيكونون هم أيضاً “جزءاً” من الحل مع رئيس النظام؟
وعلى الرغم من أن الشكوى من أثرياء حرب الأسد٬ ليست وليدة اليوم٬ إلا أن استفحالها كظاهرة أخذ في الفترة الأخيرة شكلاً وصف بالمرعب٬ مع ورود شكوى مقامة ضد أحد ضباط مخابرات النظام السوري٬ يؤدي مهامه في مدينة حلب السورية.
إذ تكشف تفاصيل الشكوى المعلنة٬ والتي لجأ أصحابها إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشرها وتعميمها٬ على أن فساد أثرياء حرب الأسد قد بلغوا في “قمة الاستهتار بالمواطن السوري وسرقة مقدراته برعاية من مؤسسات أمن النظام” وأنهم لا يتورعون عن فعل أي شيء لملء جيوبهم “بدماء وأرواح السوريين”.
وتذكر الشكوى أن ضابطاً برتبة نقيب في فرع المخابرات العسكرية بمدينة حلب ويدعى “م. و” يقوم بسرقة ضاحية حلب وضاحية الحمداني الشهيرة في المحافظة٬ ثم ينقل المسروقات إلى محافظته الأصلية التي جاء منها٬ عن طريق تجار ومعارف على طرقات النقل السريع.
ولم يقف عند السرقة٬ فحسب٬ بل استولى على أحد بيوت المهجرين في المنطقة المذكورة٬ وبدأ باستخدامه في الأعمال المنافية للآداب “ويستخدمه في جمع فتيات الليل والمخدرات والمسروقات”، كما جاء في نص الاستغاثة. كما أنه وسع نشاطاته لجلب مزيد من الأرباح٬ فافتتح كافيتريا خاصة به لإدارة المسروقات “والرشى وترويج المخدرات..” ويستعين بإحدى فتياته اللواتي يتوقفن عند الحواجز العسكرية٬ وتقوم بتفتيش المارة وراكبي السيارات٬ ومن يرفض عليه تحمل تهمة الخيانة وإعاقة عمل رجال الأمن!
أما ثري الحرب نفسه٬ فقد سرق حتى حيوانات أهل حلب٬ كالجِمال والطيور النادرة والأحصنة العربية. والسيارات التي تنال إعجابه٬ يصادرها عبر أي تهمة٬ ثم يأخذها إلى أحد مقراته ويبيعها كاملة أو قطعاً بعد تفكيكها. وكذلك بيوت المهجرين التي استودعها أصحابها أمانة للتاريخ والأخلاق٬ فقد كانت مسرحاً لنشاط ثري الحرب هذا٬ فنهب منها التحف والشرقيات والخزفيات حتى أنه لم يستعفف عن محولات الكهرباء فجمعها من البيوت هي الأخرى وأرسلها إلى مسقط رأسه في محافظة أخرى. والأمر نفسه على أثاث البيوت الفخم وكهربائياتها جميعاً٬ إلى الدرجة التي بات فيها عميلاً مميزاً لكل شركات النقل والشحن بسبب كمية منقولاته المسروقة من دماء الحلبيين وأرزاقهم.
نص الشكوى يفيض بالجرائم التي ارتكبها واحد من أثرياء الحرب التابعين مباشرة للمخابرات العسكرية. ويحظى بحماية شاملة لتسهيل عمليات السرقة والاستيلاء والخطف والابتزاز والاتجار بالمخدرات٬ من خلال تقاسم للأرباح ما بينه وبين بقية الممنوحين لصلاحيات مفتوحة من المؤسسات الأمنية التابعة للنظام السوري. نظراً إلى أنه ليس وحده في الواقع٬ وكذلك لأنه مجرد فرد واحد في ظاهرة فساد جديدة اعتاشت على دم السوريين موتى وأحياء.
من هنا استذكر البعض مسألة على درجة كبيرة من الأهمية٬ إلا أن ويلات الحرب منعت المراقبين من التوقف عندها ملياً. وهي أن بعض أثرياء حرب نظام الأسد٬ كانوا يفتعلون المنازعات الصغيرة لإرهاب السكان ودفعهم إلى ترك بيوتهم و”النجاة بأرواحهم”.
هذه الظاهرة تكررت في أكثر من محافظة “ساخنة” عندما يعمد بعض من أثرياء الحرب “الرسميين” إلى افتعال شجار أو نزاع يؤدي إلى إطلاق نار وقذائف في منطقة سكنية يفترض أنها آمنة. فيهرب أهلها فور وقوع قذيفة على هذا البيت أو ذاك. ليخلو “الجو” لأثرياء الموت السوري٬ فينهبون محتويات البيوت بكاملها. أما المتهم بالقصف ثم النهب٬ فجاهز٬ إنه المسلحون الذين يتم “تلبيس التهمة” عليهم بالمقاس.
فينفرد السارق بمسروقاته٬ أما ضحاياه فهم عرضة لعملية نهب ثانية٬ من خلال الإعلام الرسمي الذي يصور لهم العملية بأنها “قصف من المسلحين”! الأخيرين الذين كانوا “الستارة” التي يتخفى وراءها أثرياء حرب الأسد على السوريين.
من هنا٬ فإن رد فعل مواطنين سوريين كثر٬ حول مسألة “بقاء الأسد جزءاً من الحل” كما يصرح الروس وبعض الجهات٬ كان استخفافاً كبيراً بالموضوع. فقال بعضهم: “حسناً فليكن الأسد جزءاً من الحل لإيقاف الحرب” لكن: “من سيحل لنا مشكلة الأسد نفسه؟!”
ورمت ردود الأفعال إلى القول إن بقاء الأسد “قد ينهي الحرب العسكرية” إلا أن بقاءه نفسه سيكون سبباً “في حروب كثيرة أقلها اقتصادي واجتماعي بسبب أثرياء حرب النظام الذين باتوا أسداً جديداً”. وأن السوريين لديهم الآن “أكثر من أسد واحد” فهناك “الرئيس”٬ وهناك “أسود الثراء على دماء السوريين”، فضلاً عن أنه هناك “أسود القتل التي تلوثت أيديها بدماء السوريين” فأي “أسد من هؤلاء سيكون جزءاً من الحل؟” كما قال معلق ساخراً من حكاية الحل ببقاء الأسد منهياً: “الحل ليس ببقاء الأسد٬ على ما يبدو٬ بل ببقاء الأسود”…