حين أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف استقالته، كان من الطبيعي أن تثير الاستقالة الكثير من الجدل والتكهنات والتحليلات عما تعنيه بالضبط وما وراءها.
وزاد من حدة الجدل الطريقة التي أعلن بها الاستقالة عبر «انستجرام» وليس في رسالة إلى الرئيس الإيراني كما هو مفترض.
كان من المفهوم فورا أن اللجوء إلى هذه الطريقة يعبر عن غضب من مؤسسة الرئاسة ومؤسسات الحكم في إيران بصفة عامة. وسرعان كما كشف ظريف نفسه عن السبب المباشر لهذا الغضب الذي دفعه إلى الاستقالة، إذ اتضح أنه تم تجاهله وتهميشه تماما في الزيارة التي قام بها الرئيس السوري لطهران فلم يتم إعلامه بالزيارة أصلا، كما لم تتم دعوته إلى اللقاءات التي عقدت مع المرشد ومع الرئيس.
وكان السؤال البديهي هو: ولماذا تم تجاهل ظريف أصلا وتهميشه في هذه الزيارة؟
الجواب الذي أجمع عليه الكل هو بطبيعة الحال أن هذا حدث في إطار الصراع الضاري بين أجنحة السلطة المختلفة، والقوى النافذة في صنع السياسة واتخاذ القرار في إيران. ظريف نفسه أشار إلى هذا حين تحدث بعد استقالته عن الصراعات الداخلية في إيران التي تسمم السياسة الخارجية وتشل دور وزارة الخارجية على حد تعبيره.
الأمر المثير أنه بمجرد إعلان ظريف استقالته، اعتبر بعض المحللين أن هذه الاستقالة مجرد مسرحية، أي إنها مجرد «خدعة ماهرة» تمت بالاتفاق المسبق بين ظريف والرئيس الإيراني روحاني نفسه. الهدف من هذه «المسرحية» في رأي هؤلاء هو محاولة تجاوز وضع داخلي في غاية الصعوبة نتيجة صراعات أجنحة النظام وقواه المختلفة، ومحاولة تسجيل بعض النقاط في هذا الصراع. أيضا، قيل إنه ربما يكون الهدف الآخر عبر الاستقالة هو توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأن باب الحوار في إيران قد أغلق، وان النظام متجه إلى مزيد من التصعيد والتشدد على أمل أن يقود هذا إلى الحصول على بعض التنازلات.
في كل الأحوال، وسواء كانت استقالة ظريف مسرحية متفق عليها مسبقا أو لا، فالنتيجة واحدة.. النتيجة أن الاستقالة تجسد أزمة النظام الطاحنة، والى أي حد وصلت الصراعات داخله، ويؤكد طبيعته الإرهابية المتأصلة.
الكل يتحدث عن صراعات بين من يسمون بالمتشددين ومن يسمون بالمعتدلين في مؤسسات وأجهزة النظام الإيراني، لكن الحقيقة أن هذا الصراع تم حسمه منذ وقت طويل.
القضية لم تعد تتعلق بالتشدد والاعتدال. لسنا نعرف مثلا عن الرئيس روحاني أو عن ظريف أي نوع من الاعتدال، وخصوصا فيما يتعلق بالذات بقضايا السياسة الخارجية، والدور الإرهابي الذي تلعبه إيران في المنطقة والعالم. القضية تتعلق بمن يمسك بزمام السلطة فعلا، ولديه القدرة على فرض ما يشاء من قرارات وسياسات.
ومن الواضح منذ فترة طويلة أن الحرس الثوري الإيراني أصبح هو الذي يمسك بزمام كل شيء في إيران داخليا وخارجيا، وهو الذي أصبح بمقدوره إقصاء من يشاء وتهميش من يشاء من المسئولين. وبالطبع عزز من هذا حقيقة أن المرشد الإيراني بما له من سلطات ونفوذ ينحاز إلى جانب الحرس الثوري ومواقفه.
والحادث أن الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه إيران والأزمة الاجتماعية المتفاقمة والغضب الشعبي العام، جعل الحرس الثوري والمؤسسات الدينية المتطرفة تعيش في حالة من الرعب خوفا مما يمكن أن يحدث في مواجهتها. هذا الوضع دفع الحرس الثوري وهذه المؤسسات إلى الاستماتة في التمسك بكل مفاتيح ومقاليد السلطة في كل المجالات الداخلية والخارجية، وعدم السماح لأي أصوات أو قوى أخرى أن تكون لها كلمة.
على ضوء هذا الوضع، سواء تراجع ظريف عن استقالته كما قيل أم لا، لن يغير هذا من الواقع شيئا.
والواقع أن النظام الإيراني يتآكل من الداخل وتنهشه صراعات السلطة ويقف عاجزا في مواجهة ما يعصف به من أزمات. والنظام الإيراني قطع على نفسه خط الرجعة. لم يعد أمامه للبقاء إلا مزيد من التطرف والإرهاب في الخارج، والاستبداد في الداخل.