♦نعم..«كلام الناس» حول مشاركة المرأة فى ثورة 19 كان مجال خلاف بين قيادات الوفد، وكان قرار المشاركة إنجازًا تم انتزاعه بإرادة سيدات سيشهد التاريخ دائمًا لصالحهن.. لأنهن أطلقن البداية.. فكانت الحكاية التى بدأت طريفة، ومدهشة، وانتهت إلى سرد تاريخ جديد لكفاح المرأة المصرية!!
♦ بعد أن تم القبض على سعد زغلول، ونفيه إلى جزيرة سيشل، تحول منزل سعد «بيت الأمة» إلى مركز للنضال بإرادة حديدية من زوجته صفية زغلول.. وهنا توجد قصة مهمة يحكيها الكاتب رشاد كامل نقلًا عن وثائق المرحلة قائلًا: «واندلعت الثورة فى اليوم التالى مباشرة وعادت الروح إلى الأمة.. وبعد القبض على سعد زغلول قام «على شعراوى باشا» وكيل الوفد بدعوة باقى أعضاء الوفد لاجتماع طارئ يعقد فى بيته لبحث الموقف، وسمعت «صفية زغلول» بهذا الأمر وثارت ثورة عارمة واتصلت بعلى شعراوى باشا تليفونيًا، فردت عليها زوجته «هدى شعراوى» فطلبت منها صفية التحدث إلى على شعراوى واندهشت بشدة «هدى شعراوى» فلم تكن التقاليد وقتها تسمح لسيدة متزوجة بأن تطلب التحدث مع رجل متزوج فى التليفون.. واستدعت «هدى شعراوى» زوجها للحديث مع «صفية زغلول» وقالت له بحسم وحزم: سمعت أنك ستعقد اجتماعًا للوفد فى بيتك! هذا الاجتماع يجب أن يعقد فى بيت «سعد»!
♦ قال على شعراوى باشا متسائلًا: كيف نعقد الاجتماع فى بيت «سعد باشا» وهو غير موجود؟
♦ ردت صفية دون تردد: إنه موجود وسوف يكون موجودًا ولو قتله الإنجليز، إن هذا ليس بيت «سعد» إنه بيت الأمة وقلعة الثورة.
♦ رد على شعراوى باشا بقوله: لك حق، سنجىء ونعقد الاجتماع فى بيت «سعد باشا» ولكنى أحب أن أحذرك فقد تتعرضين للمتاعب نتيجة لهذا.
♦ اتصلت «صفية» بعدد من زوجات قيادات الوفد قائلة لهن: يجب أن تخرج المرأة المصرية إلى الشارع، تخرج جميع النساء إلى الشوارع متظاهرات هاتفات بسقوط الاحتلال.
♦ قالت حرم «محمد محمود باشا» بحماس: إننى لم أضع قدمى فى الشارع منذ كنت طفلة، ولكنى موافقة على الخروج إلى الشارع حتى لو ضربنا الإنجليز بالرصاص.. ردت السيدة «هدى شعراوى» مستغربة: يضربوننا بالرصاص!! لو قتلوا امرأة واحدة فسوف تلتهب مصر كلها.
♦ قالت «صفية زغلول» وهذا ما نريده تمامًا.. وبالفعل قادت صفية زغلول هذا الاتجاه بمساندة من صديقتها هدى شعراوى ومعها تلميذة هدى وقائدة المظاهرات النسائية «سيزا نبراوى» لتصبح النساء الثلاث قصة تستحق التسجيل والتوثيق فى زمن عادت فيه المرأة للخلف مرة أخرى!!
♦ سرد الكاتب الكبير مصطفى أمين فى كتابه «من واحد لعشرة» قصة خروج السيدات فى مظاهرات لأول مرة قائلًا: ما كاد (على شعراوى باشا) يعرض الفكرة حتى ثار وهاج وماج كل الأعضاء ورفضوا خروج النساء فى مظاهرة، وكان من رأى الأغلبية أن هذا الفعل وقاحة وقلة حياء!! وكان من رأى الأقلية أنها مع تقديرها للوطنية التى أملت هذه الفكرة الجريئة، إلا أن الأغلبية العظمى للشعب تستنكر خروج النساء إلى الشوارع، وأن هذا سوف يقسم الرأى العام فى مسألة فرعية، بينما هو مُجمع لأول مرة على مسألة واحدة هى مسألة الاستقلال، فخروج النساء إلى الشوارع قد يجعل الإنجليز يتهمون الثورة بأنها تدعو إلى الخروج على الدين الإسلامى!!.. وبذلك تنفض أغلبية الشعب عن الثورة!
♦ وكانت الأغلبية التى تعتبر خروج المرأة إلى الشارع وقاحة وقلة حياء مؤلفة من (على باشا شعراوى) نفسه، و(عبدالعزيز بك فهمى) و(محمد على علوبة) و(جورج بك خياط) و(حسين باشا واصف) و(عبدالخالق باشا مدكور) و(محمود أبو النصر بك) و(عبداللطيف المكباتى بك).
♦ وكانت الأقلية التى رفضت رفضًا دبلوماسيًا خشية انقسام الأمة مؤلفة من (أحمد لطفى السيد بك) و(مصطفى النحاس بك) و(سينوت حنا بك) و(على ماهر بك) ودكتور (حافظ عفيفى).
♦ وقال (عبدالعزيز بك فهمى) إننى أعجب أن سيدة عاقلة مثل (صفية هانم) تقترح خروج النساء إلى الشوارع!!
♦ وقال (عبدالعزيز فهمى) إنه سيتصل بـ(صفية هانم) ويبلغها قرار الوفد بالإجماع بمنع مظاهرة النساء!!.. واتصل عبدالعزيز فهمى تليفونيًا بصفية زغلول وأبلغها بأسلوب رقيق قرار الوفد: نحن نخشى أن تتبهدل السيدات!
♦ فقالت صفية: أى بهدلة أكبر من بهدلة الإنجليز لمصر باحتلالها وقتل شبابها ونفى زعمائها!!
♦ قال (عبدالعزيز فهمى): لو كان (سعد باشا) موجودًا لرفض أن تخرج السيدات الفضليات إلى الشوارع!
♦ قالت (صفية) أبدا إن من رأى (سعد) أن ثورة لا تشترك فيها المرأة المصرية لا يمكن أن تنجح!!
♦ فقال (عبدالعزيز فهمى): إنه لم يقل لنا ذلك!!
♦ قالت (صفية): ولكنه قال لى.
♦ قال (عبدالعزيز فهمى): أخشى أن تفشل المظاهرة، إن بعض أصدقائى قرروا أنهم سيطلقون زوجاتهم إذا خرجن فى مثل هذه المظاهرة!
♦ قالت (صفية): لن يجرؤ رجل أن يطلق زوجته لأنها تدافع عن شرف بلادها!
♦ قال (عبدالعزيز فهمى): إنهم يخشون على مراكزهم فى البلد من ألسنة الناس!!
♦ قالت: إن الرجل الذى يخشى من الألسنة، سوف يخشى أكثر مدافع الإنجليز، ومثل هؤلاء الرجال لا يحسب لهم حساب فى قيادة البلد!
♦ وأنهى (عبدالعزيز فهمى) الحديث وهو يحاول جاهدًا أن يمسك أعصابه ويقول: تأكدى أننى أحترم المرأة وأقدرها.
♦ قالت له (صفية): لو كنت تحترم المرأة لما حاولت أن تحرمها من شرف الدفاع عن بلادها!!
♦ المهم أن إرادة صفية وصديقاتها انتصرت وخرجت السيدات إلى المظاهرات، لتخرج بعدها المرأة المصرية إلى الحياة العامة والعمل بلا خجل فكان الخروج من باب الثورة الأعظم فى تاريخ مصر.
tarektohamy@alwafd.org