تعد أبراج الكويت من أهم وأقدم المعالم العمرانية والسياحية الحديثة في الكويت وفي منطقة الخليج العربي. وقد بدأت استعداداتها للدخول ضمن قائمة مباني “التراث العالمي المعاصر”، التي تشرف عليها المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).
تاريخ بنائها
يرجع تاريخ إنشاء أبراج الكويت إلى عام 1976، حيث قامت شركة “في بي بي” السويدية، وبتكليف من وزارة المياه والكهرباء الكويتية عام 1968، بإعداد تصاميم جديدة لمنظومة تحلية وتخزين المياه لتلبي حاجة الكويت المتزايدة آنذاك؛ نتيجة التوسع السكاني والعمراني الذي شهدته البلاد في حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وشمل المشروع محطات تحلية للمياه، وخزانات للمياه ذات سعة تخزين ضخمة، كما شمل المشروع شبكات ومضخات كبيرة لتغذية الأبراج الفرعية المنتشرة في مدينة الكويت.
ووقع الاختيار على إحدى الشركات اليوغسلافية لتنفيذ المشروع عام 1970، وتم الانتهاء من بناء الأبراج عام 1976، ليتم افتتاحها رسمياً في الأول من مارس/ آذار عام 1979.
أيقونة الكويت
بدت أبراج الكويت العالية وهي تطل على سواحل الخليج العربي الشمالية، كشاهد يروي للأجيال المتعاقبة مراحل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها، وباقي دول الخليج العربي، بعد اكتشاف النفط، حيث بلغت أوجها في سبعينات القرن الماضي.
وشهدت البلاد انتعاشاً اقتصادياً انعكست تأثيراته الإيجابية على جميع مرافق الحياة، وتحولت معه ثقافة المجتمع الكويتي نحو الرفاهية والاستهلاك، وبروز أنماط معيشية جديدة؛ كالسفر والسياحة الخارجية والداخلية، حيث غدت أبراج الكويت، التي استمدت من زرقة مياه الخليج لونها المميز، معلماً سياحياً في ذلك الحين، جمع الكويتيين في مناسبات مختلفة، وشكل جزءاً من ذاكرتهم الوطنية خلال العقود الثلاثة الماضية، بل أصبحت الأبراج أيقونة الكويت وواجهتها الحضارية، فما زالت تطبع صور الأبراج على أوراقها النقدية إلى يومنا هذا.
الدخول بقائمة التراث العالمي
وقد وقعت وزارة الكهرباء والماء الكويتية، منتصف الشهر الجاري، مذكرة تفاهم مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في سعي مشترك لتأهيل أبراج الكويت للدخول ضمن قائمة مباني التراث العالمي المعاصر التابعة لليونسكو.
وأكد وكيل وزارة الكهرباء، محمد بوشهري، في تصريح صحفي عقب مراسم التوقيع، أن المذكرة تأتي من أجل العمل على تأهيل أبراج الكويت للترشح وتسجيلها على قائمة التراث المعاصر، معتبراً النجاح في تحقيق الهدف “إنجازاً عظيماً بحق الكويت”.
وأوضح أن الاتفاقية تحدد المسؤوليات والواجبات، بشأن الإشراف والاستشارات على أعمال اتفاقية مزمع توقيعها مع أحد المكاتب الاستشارية العالمية، وهي الشركة السويدية التي قامت في الأصل ببناء الأبراج، وذلك بالتعاون مع أحد الدور الاستشارية المحلية، بخصوص إعادة تأهيل أبراج الكويت، لتتوافق مع اشتراطات ومتطلبات منظمة اليونسكو.
وأكد التطلع إلى إعداد وتقديم ملف متكامل لترشيح أبراج الكويت ضمن قائمة المباني التي يتم تسجيلها على قائمة التراث العالمي المعاصر.
وأوضح أن الوزارة ستقوم بمتابعة الأعمال الخاصة بإعادة تشغيل الأبراج، كشرط أساسي من شروط متطلبات منظمة اليونسكو كمعلم سياحي للزوار، كاشفاً أن إعادة التشغيل ستكون ضمن منظومة المياه، بالإضافة إلى متابعة الأعمال المدنية والميكانيكية والكهربائية، وأنظمة القياس والتحكم.
شاهدة حروب
بعد مضي عام ونصف على افتتاح أبراج الكويت، وعلى بعد عشرات الكيلومترات، انطلقت أكثر حروب الشرق الأوسط دمويةً وأطولها، إنها حرب الثماني سنوات، حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
شهدت مياه الخليج العربي في ذلك الحين معارك بحرية بين السفن الحربية للدولتين، وما لبثت إيران طويلاً حتى نفذت وعيدها باستهداف ناقلات النفط المبحرة في مياه الخليج العربي، وإغلاق مضيق هرمز المطل على سواحل الإمارات العربية المتحدة، لتنال ناقلات النفط الكويتية نصيبها من الاستهداف من قبل الزوارق الحربية الإيرانية.
وفي أغسطس/ آب من عام 1988 حملت أمواج مياه الخليج العربي لأبراج الكويت بوادر السلام والاستقرار في المنطقة مع الإعلان الرسمي لوقف إطلاق النار بين البلدين.
وعلى أرض الكويت، وبعد أشهر قليلة، انطلقت أول بطولة رياضية كروية سميت آنذاك “بطولة الصداقة والسلام”.
حيث جمعت بين منتخبي العراق وإيران ومنتخبات أخرى، وذلك في بادرة سلام بين البلدين تحت رعاية كويتية، أنعشت حينها الآمال بمستقبل واعد لأبناء الخليج العربي، تخلو فيه منطقتهم من الحروب والصراعات.
التأثيرات السلبية والخسائر الاقتصادية التي مني بها العراق إبان الحرب مع إيران، ألقت بظلالها الثقيلة على علاقته مع دولة الكويت، حيث اتهم النظام العراقي آنذاك جارته الجنوبية بالتعدي على حقوقه النفطية في الآبار المشتركة على الحدود، والعمل على زعزعة أسعار النفط العالمية بزيادة الإنتاج وإغراق الأسواق العالمية، ليتخذ من ذلك الاتهام منطلقاً نحو حرب جديدة، غيرت وجه الشرق الأوسط، وأنهت عقوداً من منظومة الأمن القومي العربي.
ومع ساعات الفجر الأولى من يوم الثاني من أغسطس/ آب عام 1990، قطعت شبكات التلفزة العالمية بثها، لتنقل من سواحل مدينة الكويت السحب الدخانية المنبعثة من أبراج الكويت إثر استهدافها، حيث شهدت منطقة الأبراج المتاخمة لقصر دسمان الأميري أول إنزال بحري للقوات العراقية الغازية، حيث دارت اشتباكات عنيفة في المكان، لتروي بذلك أبراج الكويت قصة أول غزو عربي عربي، نال من وحدة الأمة وتطلعات شعوبها نحو الازدهار.
خلال فترة الغزو العراقي للكويت، حل الدمار في أبراج الكويت، ونال التخريب والحرق من جميع مرافقها، حيث تم إتلاف المعدات الفنية، وتقطيع الخطوط الكهربائية، وتحطيم واجهاتها الزجاجية، كما تم استهداف قبابها بالقذائف، لتتقاسم الدمار الذي لحق ببقية المرافق والمعالم في الكويت إبان الغزو العراقي، ولتروي للأجيال القادمة ما خلفته القوات الغازية في مدينتهم وأيقونتها المشرقة.
ومع صبيحة يوم السابع والعشرين من فبراير/ شباط عام 1991، لاحت أبراج الكويت من بعيد، لترحب بالجيوش التي ساهمت في تحريرها وبأبنائها المحررين، بعد عملية عسكرية أطلق عليها اسم “عاصفة الصحراء”، شاركت فيها نحو ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة، لتزيح رياح العاصفة الغمام الأسود عن سماء الكويت، وتعانق أبراج الكويت من جديد مياه الخليج العربي.