نون والقلم

روسيا أمريكا.. مناطحة سياسية

ما بين قديم أوباما ونزعة أمريكا إلى الهيمنة.. وجديد بوتين واستعادة حضور دور روسيا، تمر العلاقات الأمريكية – الروسية بحالة مزدوجة، ثنائياً في مناطحة سياسية حادة، ودولياً تخفيف خطاب المواجهة، والطرفان يتبادلان غزلاً دبلوماسياً وهذا على الأقل ما بات مكشوفاً في شأن سوريا.
الروس أعلنوا أنهم لا يدافعون عن الرئيس السوري بشار الأسد ولكنهم يدافعون عن الدولة السورية من الانهيار لئلا يتكرر ما جرى في العراق وليبيا. والأمريكيون الذين كانوا يضعون رحيل الأسد أولوية للحل تراجعوا بعد استحالة تحقيق هذا الهدف، وتقاطر عواصم أوروبية إلى الإعلان عن أن حل الأزمة السورية يمر من خلال دور للأسد وهذا ما تكرر من باريس ولندن ومدريد وألمانيا وهو ما كانت روسيا تنادي به.
كيف حدث هذا؟
من المؤكد أن انفراط العقد الغربي جاء جراء تداعيات الأزمة السورية التي ألقت بظلالها على الأوروبيين بصورة مباشرة، كما في العمليات الإرهابية التي لم تعد محسوبة على وافدين بل من مواطنين أوروبيين، ومن ثم موجة اللاجئين التي انقسم في شأنها الأوروبيون، واحد يرفضها بصورة مطلقة وثانيها يتعامل معها على أساس سياسي وثالثها يتعامل مع هذه القضية وفق المعيار الإنساني. أما الموقف الآخر فجاء على قاعدة حصار اللاجئين السوريين في مواقع تواجدهم وبخاصة في لبنان والأردن من خلال تمويل إغاثة من الأمم المتحدة بمبلغ مليار دولار.. والكرم الحاتمي هذا ليس بريئاً بعد أن كان الأوروبيون وغيرهم يتجاهلون الأوضاع الكارثية لهؤلاء.
السؤال: إذا كان للانفراط الغربي أسبابه.. فماذا بشأن العلاقة الروسية الأمريكية الحالية التي تتمثل بازدواج الغزل الدبلوماسي مع المناطحة السياسية؟
الواقع أن لهذه الحالة قدراً غير يسير من تركة الحرب الباردة لكن هناك بعض الأسباب الأخرى، من أبرزها أن الروس وأعني القيادة الروسية وفي عهد بوتين راهنت على المرشح الديمقراطي باراك أوباما في جولة منافساته الانتخابية الثانية في شأن العلاقات الثنائية وتجاه التعاون في شأن القضايا الدولية التي ترتدي اهتماماً مشتركاً.
وفي هذا الشأن جاهر الساسة الروس برغبتهم في فوز أوباما وبدت وسائط إعلامية روسية عدة أثناء الحملات الانتخابية وكأنها وسائط إعلام الحزب الديمقراطي الأمريكي لجهة تقديم أوباما كرئيس وقائد لأمريكا الجديدة.
غير أن هذا الرهان الروسي اصطدم ليس بالواقع الأمريكي وحسب، بل بحقيقة أن أوباما نفسه تنكر لأقواله وكرس ذات السياسة الأمريكية ومنها التعاطي مع الروس بتعال وتدخل في الشأن الداخلي الروسي ليصل حلم الانفراج الدولي إلى طريق مسدود تتحكم فيه الولايات المتحدة.
استوعب الروس الدرس وبدأوا بهدوء ولكن بمثابرة في التعامل على قاعدة أن العالم ليس أمريكا، ومن هذه القاعدة بدأت ما يمكن وصفه الندية التي تتلافى من خلالها روسيا المواجهة المباشرة لكنها بدأت تواجه القضايا بجدية.
أمريكا التي ظلت تتعامل مع روسيا وكأنها في عهد يلتسين، فوجئت بالتغييرات المتسارعة في روسيا منذ صعود بوتين إلى قمة السلطة فلجأت الإدارة الأمريكية إلى اكثر من محاولة لكبح جماح الدب الروسي وكانت أوكرانيا أبرز الجبهات التي رمت فيها كامل ثقلها السياسي والعسكري لما تمثل من أهمية حيوية واستراتيجية لروسيا وهي تمكنت من قلب نظام الحكم في كييف لكن موسكو بادرت إلى الرد السريع باحتلال جزيرة القرم . ومع أن الولايات المتحدة لجأت بتحالف مع الأوروبيين إلى شن حملة ابتزاز ضد روسيا وأبرزها مقاطعة الشركات والمنتجات الروسية وبخاصة الغاز وأدت هذه العملية إلى خسائر على روسيا لكن الخسارة في هذه العملية أصابت الأطراف الأخرى أيضاً. والأهم من ذلك أن الروس لجأوا إلى بدائل استراتيجية منها الاتجاه إلى شرق آسيا، وإقامة مجموعة إقليمية واعدة في مجال التعاون متعدد الأغراض والأهداف، إضافة إلى تعاون واسع مع مجموعة «البريكس» التي تضم روسيا والصين والهند و جنوب إفريقيا والبرازيل.
إذا كانت دول أوروبية تململت من مقاطعة روسيا فإن الغزل الدبلوماسي الأمريكي – الروسي مع أنه لا يوقف المناطحة السياسية لكنه يضع بداية لنهاية الغرور والعربدة الأمريكية ليس تجاه روسيا بل تجاه العالم بأسره.

أخبار ذات صلة

Back to top button