نون والقلم

محمـود زاهـر يكتب: وهم الحرية

أصبحنا نعيش في زمن «التشابه» إلى حد «التطابق»، بسبب جرعة «المحظورات» الزائدة، في كثير من القضايا التي تمس حياتنا، ما جعلنا ـ نحاول بصعوبة بالغة ـ تلمس قائمة الأشياء المسموح بها!

ربما يمكننا وصف واقعنا البائس المرير كمن يعيش في مكان مغلق النوافذ، لا يستطيع فيه أن يطلق العنان لفكره «الحر»، من دون خشية المحاسبة أو المراقبة.. أو حتى التشهير و«التجريس»!

عندما تتزايد «المحظورات» ينخفض سقف «الحريات»، ما يؤكد أن معدل «الحظر» يتناسب عكسيًا مع معدلات ثقة الأنظمة في نفسها.. وكلما زادت الثقة تقل «المحظورات»، أو ربما تتلاشى، أما إن كانت غير ذلك، فإنها تلجأ تلقائيًا إلى «الحظر» أو «القمع»  لكي يعصمها من الناس!

لعل وجود «حظر» في كثير من تفاصيل حياتنا، يجعلنا نكبِّل أنفسنا بأغلال داخلية، خشية العقوبة، بل إننا قد نرتاب قبل إبداء رأيٍ ما.. وفي هذه الحالة لن نكون أمام آراء شجاعة نابعة من الإحساس العفوي المباشر، بل أمام حالة زيف مصطنع!

بالتأكيد، لا أحد يرغب في العيش داخل مناخ قمعي أو استبدادي، يصيب الناس بالازدواجية، فيُظهرون خلاف ما يُبطنون، إتقانًا لحرفة استبدال الوجوه والأقنعة، ليحدثوا مخاطبيهم بما يسرهم سماعه، لا ما ينبغي لهم أن يعرفوه!

في مثل تلك الأجواء المشحونة بالخوف والقهر وانعدام الثقة، قد لا يعرف الإنسان قيمة الصدق مع نفسه أو مجتمعه، لأنه سيكيِّف حياته وفقًا لمبدأ السلامة، مبتعدًا عن قول الحق في سبيل ما يؤمن به ويعتقده، مما يجعل «الضرورات لا تبيح المحظورات»!

ما يحدث من حولنا، يجعل أجواء الترقب تتماهى مع أجواء الخوف وانعدام الثقة بين الجميع، فتشيع اللامبالاة، وإيثار الصمت، والالتفات إلى المصالح الشخصية، حفاظًا على لقمة العيش، ليصبح النفاق طبعًا متأصلًا ومرضًا متفشيًا في المجتمع!

نعتقد أنه عندما ينتحر المنطق، لا يمكن العيش في «وهم» الحرية والطمأنينة، فالذين يعيشون حرية داخلية توحَّدت نفوسهم واتَّسقت بين ظاهرها وباطنها، لأنهم غير معنيين بإرضاء أحد سوى ضمائرهم، من منطلق أن الضمير هو صوت الله المنبعث من داخل الإنسان.

إن أصحاب الأفكار والرؤى والأقلام الحرة، غالبًا ما تكون لديهم «صلابة» وشجاعة تجعلهم يتمترسون حول مواقف بعينها، و«مرونة» في مقاربة الواقع، أكثر مما تحتاج فيه إلى ملامسة المثال، والبُعد عن انتهاج أساليب رجعية أو انتهازية.

الأحرار فقط هم الأقوياء روحيًا، حتى لو كانوا فقراء، لأنهم لا يعانون من الاهتزاز الداخلي والشعور بضِعة النفس والحاجة إلى التملق.. يلقون كلماتهم النابعة من أرواحهم الحرة، غير عابئين أو مكترثين بأحد.

الأحرار فقط هم من كانت كلماتهم نابضة بالحياة، فتترك أثرًا عميقًا في النفوس، وتحرك الطاقات الساكنة بها.. كما تكون قادرة على الإلهام واستثارة كوامن الخير وإحياء الضمائر الميتة، أو تلك التي خرجت ولم تعد!

إن أكبر مثال مؤسف لحالة التردِّي في المجتمع، هو الشعور بالخوف أو الإحساس بالظلم، وبالتالي لا يمكن إدراك الحرية في ظل تلك الأجواء المعتمة، ولذلك إن سلَّطنا على الإنسان سيف الخوف وفتنَّاه عن حريته بوسائل الإكراه، لن نجد سوى كائنات مشوهة.. مهترئة ومهتزَّة، لا تُحسن سوى التصفيق وهزّ الرؤوس!

Zaher3333@gmail.com

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى