نون والقلم

السيد زهره يكتب: مؤتمر وارسو.. ضجة بلا طحين

انعقد مؤتمر وارسو وانفضّ من دون أن نعرف، هل كان لانعقاده أهمية أصلا، وهل أسفر عن أي نتائج ملموسة تستحق التوقف عندها مقارنة بالضجة الكبيرة التي سبقت انعقاده؟

المؤتمر عقد تحت شعار: «السلام والأمن في الشرق الأوسط»! أي ان هدف المؤتمر الأكبر الذي دعا إلى عقده هو بحث الأخطار والتهديدات للسلام والأمن في المنطقة، وكيف يمكن مواجهتها والتصدي لها، والسبل الكفيلة بإقرار الأمن بشكل عام.

هذا جيد مبدئيا، لولا أن هناك أكثر من مشكلة.

المشكلة الأولى أنه لا قبل المؤتمر ولا أثناءه وما ألقي به من كلمات، لم يقل لنا أحد ما هي هذه الأخطار والتهديدات التي تهدد امن واستقرار المنطقة. أعني تحديدا أن أحدا لم يقدم لنا رؤية متكاملة لهذه الأخطار والتهديدات.

نقول هذا وفي ذهننا ما يعرفه الكل من أن أمن واستقرار المنطقة يتعرض لأخطار وتهديات شتى ومتعددة المصادر بالضرورة.

المشكلة الثانية أننا لم نفهم لا قبل المؤتمر ولا أثناءه ولا بعده.. من أي وجهة نظر بالضبط يجري تحديد الأخطار والتهديدات للسلام والأمن؟.. هل من وجهة نظر الدول العربية؟.. هل من وجهة نظر امريكا؟.. هل من وجهة نظر كل الدول المشاركة بلا استثناء؟

نقول هذا وفي الذهن بداهة أنه توجد بالضرورة، وهذا أمر بديهي، خلافات وتباينات بهذا القدر أو ذاك بين مختلف الرؤى والتصورات لتهديدات الأمن ومن ثم لكيفية حمايته؟

المشكلة الثالثة اننا لم نفهم أيضا، ولم يقل أي احد كيف سيكون هذا المؤتمر خطوة نحو حماية أمن واستقرار المنطقة في مواجهة التهديدات؟.. نعني بعيدا عن الكلام العام والخطب التي ألقيت، ماهي الخطوات العملية بالضبط التي سيناقشها أو يقرها المؤتمر من اجل حماية الأمن والاستقرار؟

الذي حدث في كل الأحوال، وبغضّ النظر عن كل هذه التساؤلات انه من واقع ما سمعناه من مواقف وتصريحات أثيرت في المؤتمر او على هامشه، فإنه جرى الحديث عن إيران وسياساتها ومواقفها المعروفة على اعتبار انها تمثل الخطر والتهديد الأوحد للسلام والأمن في المنطقة. لم نسمع أحدا يتحدث عن أي خطر او مصدر آخر للتهديد غير ايران.

هذا أمر غريب بالطبع، لسنا بحاجة الى القول ان النظام الايراني بتدخلاته وسياساته والارهاب الذي يمارسه وبدعمه للقوى الإرهابية في المنطقة يمثل تهديدا جسيما لأمن واستقرار المنطقة، لكنه حتما كما ذكرت ليس الخطر الوحيد ولا المصدر الوحيد لتهديد الأمن والاستقرار. وهذا أمر مهم وخاصة أننا نتحدث عن مؤتمر قيل عنه انه عالمي او دولي، وقيل عنه إنه يناقش الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام.

ولنا ان نتساءل هنا من وجهة النظر العربية: ماذا عن الكيان الإسرائيلي واحتلاله للأراضي العربية وتنكيله بالشعب العربي الفلسطيني واعتداءاته المتكررة على دول عربية وخرقه الفاضح لكل القرارت والقوانين الدولية وأطماعه الصهيونية المعروفة في المنطقة؟.. هذا الكيان، ألا يمثل أي مصدر لتهديد السلام والأمن في المنطقة؟!

ومع كل هذا، قد يقول البعض إنه يجب أن نذكر للمؤتمر انه حشد تأييدا دوليا جديدا في مواجهة الخطر الداهم الذي تمثله ايران.

لكن هذا ليس صحيحا.. المؤتمر لم يحقق أي شيء جديد في هذا الاتجاه. الدول والقوى العالمية الكبرى المعنية بالضرورة بأمن واستقرار المنطقة بهذا المعنى او ذاك قاطعت المؤتمر أصلا.. روسيا والصين والدول الأوروبية قاطعته. والذين تحدثوا عن ايران وخطرها في المؤتمر هم نفس الدول المعروفة مواقفها سلفا، ولم يضف ما قالوه أي جديد.

الأمر العجيب أن البيان الختامي الذي صدر عن رئاسة المؤتمر لم يشر الى إيران أصلا، ولم يذكر أي نتيجة ملموسة تم التوصل اليها باستثناء القول انه تم الاتفاق على العمل على تحقيق الأمن والاستقرار، وإنه سيتم تشكيل مجموعات عمل لمتابعة المناقشات التي جرت.

ولم يكن غريبا ان الكيان الإسرائيلي اعتبر نفسه أكبر الفائزين في هذا المؤتمر، واعتبر ان جلوس مسؤوليه في قاعة واحدة مع مسؤولين عرب يعتبر حدثا تاريخيا. وهذه قضية لا بد أن نعود اليها.

والأمر إذن من كل الأوجه أن مؤتمر وارسو لم يكن سوى «ضجة بلا طحين» كما يقال.

نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button