ساعات فقط تفصلنا عن «حدثٍ جللٍ»، ينتظره الكثيرون بشغف، وسط هالة كبيرة، وأجواء كرنفالية، وحفلات صاخبة، وفتاوى دينية عن حكم الاحتفال به، وتبادل رسائل وبطاقات التهنئة بهذا «اليوم العظيم»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي!
عندما كنَّا صغارًا، أو حتى مراهقين، لم نعهد الاحتفال بما يُسمى عيد الحب، أو «Valentine’s Day»، في 14 فبراير من كل عام، وغيره من الأعياد المستحدثة على الذاكرة، التي أصبحت تُرهق كاهل جيوب الناس على مدار اثني عشر شهرًا.
أصبحت «الروزنامة» ممتلئة بالأعياد والإجازات والعطلات الرسمية و«العُرفية»، طوال أيام السنة، ولا يكاد يمر شهر هجري، أو ميلادي، إلا ويحمل عيدًا، أو مناسبة، سواء أكانت دينية، أو وطنية، أو اجتماعية.. أو حتى عاطفية!
ما بين عيد وآخر، تكتسي الأجواء الاحتفالية بألوان المناسبة المُحتفَى بها، كألوان البيض في شم النسيم.. ولكل احتفالٍ طقوسه الخاصة وأجواؤه التي تميزه عن غيره، تمامًا كما هو حاصل هذه الأيام، من «الزحف الأحمر المقدس»!
وبما أننا نحن «العرب» شعوب متقدمة وناهضة ومتطورة، بعد وصولنا إلى الكوكب الأحمر «المريخ»، ونعيش أجواء الجيل الثامن من التكنولوجيا.. وبعد تفوقنا الواضح على أمريكا وأوروبا واليابان، في الصناعة والزراعة والتعليم والصحة، وحققنا الرفاهية في أعلى معدلاتها، فلا مانع أن يكون كل يوم نعيشه عيدًا نحتفي به!!
نتصور أنه آن الأوان أن نستريح ونأخذ قسطًا وافرًا من الراحة، وأن نعيش كرنفالات احتفالية، ما بين فترة وأخرى، بعد عناء عمل متواصل على مدار العام، خصوصًا أننا حققنا إنجازات علمية في العلوم الإنسانية والطبيعية كافة، وسبقنا الغرب بعشرات السنوات الضوئية!
اللافت أن أعيادنا لم تعد مقصورة، أو محصورة على المناسبات الدينية «الإسلامية والمسيحية» ـ كما كنا نعتقد ـ بل تجاوزت «الأم، العمال، التحرير، النصر، العبور… إلخ»، لتضم القائمة أعياد الميلاد والزواج والطلاق!
لعلنا ـ بما حققناه من إنجازات فاقت حدود اللامعقول ـ يمكننا المطالبة بإنشاء وزارة معنية بالمناسبات والاحتفالات، ولتكن باسم «وزارة الحب»، على غرار ما استحدثته الإمارات، قبل سنوات، لوزارتي السعادة والتسامح!!
الوزارة الجديدة يجب أن تكون موجودة في كل دولة عربية، بما يلائم خصوصية وعادات وتقاليد كل قُطر، خصوصًا أن الأعياد والمناسبات تزايدت بشكل مضطرد خلال السنوات الخمس الأخيرة، فأصبح «العيد عيدين»، و«الثورة ثورتين»!
نعتقد أن الوزارة الجديدة سيكون لديها جدول أعمال مزدحم على مدار العام، إذا أضفنا لها مناسبات أعياد ميلاد القادة والزعماء وزوجاتهم وأبنائهم، وإعادة تدوير المشاريع القائمة.. حتى أنه يمكنها التوسع لاحقًا في الاحتفال باليوم العالمي، واليوم العربي، واليوم الوطني، واليوم «الأغبر»!
يجب أن تحمل الوزارة المستحدثة شعار «يارب كتر أفراحنا.. وعلى قد نيتنا إدينا»، وأن يكون على رأس أولوياتها، إسعاد المواطن البسيط الكادح، من خلال محاكاة احتفالات العالم الغربي «الفاشل والمتخلف»، كنوع من التعرف على عادات وتقاليد هؤلاء البشر الذين يعيشون في العصور الحجرية!
كما يجب أن نُظهر الفرحة في عيون الناس، وأن نرى الشوارع ـ في كل عيد ـ تكتسي بالألوان المبهجة والبالونات والرايات والأعلام وأقواس النصر والزينة، وألا تمر أي مناسبة من دون إظهار وفور النعمة (وأما بنعمة ربك فحدث)!
أخيرًا.. ما أجمل أن يعيش الإنسان في سعادة وفرح، وما أجمل أن نُدخل السرور على قلبه، ولا أقل من أن تكون أي مناسبة فرصة للتعبير عن المشاعر الإنسانية والتخلص من متاعب الحياة وهمومها، «happy valentine’s day».