تشعر الشعوب في العالم كله بالخوف مما يحدث حاليا بين «العم سام» الأميركي وبين «الدب القطبي» الروسي -كما كان أستاذنا القدير في الإعلام الراحل فائق فهيم، رحمه الله، يصفهما بأسلوبه الجذاب وصوته الجهوري النقي- سواء بحرب باردة بشكل مباشر أم تصل للحرب بشكل غير مباشر، وما عودتهما إلى التسابق في التسليح النووي إلا جزء من هذه الحروب.
المؤكد أن كلا الطرفين يبحثان عن مصالحهما أولا، وبالتالي لننسى أنهم سيموتون أو يضحون بأبنائهم من أجل هذه الشعوب، ولقد ولى عصر الجيوش البرية واستعاضوا بدلا منها بالأسلحة الإلكترونية والصواريخ والطائرات التي تضرب من مسافات بعيدة أو حتى طائرات بلا طيار، يعني اختصار نسبة الخطر إلى «صفر» في المئة.
السؤال: ما هو المقابل، وهل هنالك اتفاقات سرية بين البلدين (أي بين أميركا وروسيا)؟ في تصوري أن هناك الكثير مما يحدث تحت الطاولة، وأن هنالك مناطق محددة لا يستطيع الطرفان، وبالذات الروسي، تخطيها، وعليه فسنفترض أن المناطق التي يوجد بها الروس مثل سورية لم تكن من دون ضوء أخضر أميركي. ماذا يستفيد الأميركيون من وجود الروس؟ برأيي الكثير، فمن جهة فإن الوجود الروسي حجّم القوة الايرانية و«حزب الله»، ومن جهة أخرى فما تخشاه قوى الاحتلال من هجوم إيراني أو سوري اتضح أنه كان وهما أو تمثيلا من المحتلين بالقيام بدور الضحية، فها هم كل مرة يضربون مواقع في سورية ثم يغادرون من دون أن يمسّون الروس، بل بعد أن يشعروا الروس مسبقاً.
كيف يثق جيش الاحتلال الصهيوني بالروس لهذه الدرجة بحيث يبلغونهم عن مكان وتوقيت الضربة إن لم تكن هذه المسائل مرتبة ومتفق عليها مسبقا؟ قبل الحرب في سورية كان هناك بصيص من الأمل أن يتحرك الجيش السوري لاستعادة الجولان، أما الآن فهو غريق وببلاده يقبع خليط من جيوش أميركية وروسية وإيرانية وتركية و«حزب الله» ودول التحالف، فهو لا يفكر في الجولان؛ فسورية بأكملها مهددة.
الأمر لا يتوقف على سورية، ففي السودان هناك شيء ما يدور في الأفق، ففي ظل الاضطرابات وثورة الشعب السوداني، تشبت الرئيس البشير المستميت بالبقاء بتقديم تنازلات وفي طريقه لتنازلات أخرى، فمن يتذكر انفصال الجنوب السوداني يعرف أن تفريطه بجنوب بلاده كان بسبب الضغوط الدولية عليه ومطالبة محاكمته كمجرم حرب، وعلى رغم هذه الخسارة الكبيرة استمرت معاناة السودانيين، بل إنها ازدادت كون الجنوب غني بالنفط، والمثير أنه زار سورية وقابل رئيسها بشار الأسد وتحدث لاحقا بأنه سيدعم سورية حتى تنتهي أزمتها، ولم نعرف حتى من أين له هذه الثقة الهائلة وهو يعيش في أزمة داخلية طاحنة؟ قبلها كما نعرف أن البشير عقد اتفاقا مع تركيا، مقدما لهم جزيرة سواكن على البحر الأحمر لكي يعيدوا إدارة وتشغيل الجزيرة، والملفت أخيرا سماح البشير بعبور طائرات من الكيان الصهيوني عبر أراضيه، وكما سمعنا أخيرا فقد استعان بمرتزقة روس لقمع الانتفاضة السودانية.
وبطبيعة الحال كلنا سمعنا وشاهدنا عما جرى في فنزويلا من اختلاف بين موقف أميركا وروسيا، والأمر لا يتوقف على هذين القطبين، بل إن للفرنسيين نصيب في ذلك بتدخلهم في الشؤون الأفريقية بقوة.
على ماذا يدل ذلك؟ هل تريد الدول الكبرى أن تؤكد للجميع أن عليهم التخندق خلف أحد الدول الكبيرة؟ هل هو اقتسام لكعكة العالم؟ ذلك هو الأرجح، وبظني أنه لا سبيل لتفادي ذلك من دون تحصين الجبهات الداخلية في كل دولة، مع إعطاء الشعوب حقوقها وهي من ستدافع حتى الموت عن تراب أراضيها.