نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: مابين فرنسا ومصر..الشعب سيد الموقف

استوقفنى خبر بثته وكالة الصحافة الفرنسية منذ يومين عن استجابة الرئيس الفرنسى ماكرون لمطالب «السترات الصفراء» وتنفيذ هذه المطالب، الخبر يحمل موقفاً من مؤسسة رسمية فى فرنسا، ويقول الخبر إن ديوان المحاسبة الفرنسى اعتبر التنازلات التى قدمها الرئيس إيمانويل ماكرون لمحتجى «السترات الصفراء» قد «أضعفت» الوضع المالى للبلاد.

وديوان المحاسبة فى فرنسا يساوى الجهاز المركزى للمحاسبات عندنا، وهو المسئول مثل عندنا عن مراقبة التصرفات المالية للدولة ومؤسساتها، والأحزاب السياسية والنقابات المهنية وكل مشروع تسهم فيه الحكومة.

وبدلاً من أن يخرج علينا الديوان بالإشادة بقرارات ماكرون وسرعة استجابته للمحتجين كان الموقف فقد أصدر ديوان المحاسبة تحذيرا من عواقب حزمة الإجراءات التى أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عنها والبالغة كلفتها 10 مليارات يورو (11,4 مليار دولار)، فى محاولة لإنهاء احتجاجات «السترات الصفراء».

وقال ديوان المحاسبة إن «توقعات المالية العامة للعام 2019 محفوفة بالمخاطر»، داعياً حكومة ماكرون لاتخاذ خطوات تصحيحية.

وأضاف ديوان المحاسبة أن أثر هذه الإجراءات الحكومية «يؤكد أن فرنسا وبسبب الطبيعة غير الكاملة لاستقرار مواردها المالية العامة، لديها هامش محدود للتعامل مع أى تباطؤ اقتصادى أو أزمة». وأعرب عن مخاوفه من عجز الحكومة عن تحديد كيف ستدبر الأموال اللازمة لتمويل الإجراءات التى أعلنها ماكرون. وحذر خبراء الديوان من أن فرنسا تخاطر بتباطؤ النمو وعدم وفائها بهدف تحقيق 1,7 بالمائة نمو من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام

هذا موقف جهاز تابع للدولة الفرنسية لم يصمت عن قرار اعتبره خطأ حتى لو كان من رئيس الدولة المنتخب من قبل الشعب، ولم يخرج الإعلام الفرنسى يهاجم مسئولى ديوان المحاسبة ولم يتهمهم أحد بأنهم يتدخلون فيما لا يعنيهم، والأهم أن جميع تقارير ديوان المحاسبة معروضة ومتاحة للجمهور هناك ومن حق أى مواطن يطلع عليها.

ولم يهاجم أحد الديوان الفرنسى بأنه ضد محدودى الدخل وضد الفقراء، وإنما خضع بيان الديوان إلى نقاش مستمر بين الشعبويين والخبراء، وبين السياسيين والاقتصاديين، وانتهى إلى وجود شبه إجماع أن استجابة ماكرون للسترات الصفراء قد تضر بالاقتصاد الفرنسى، كما كشف النقاش أنه ليس كل المطالب الشعبية تكون على حق، وأن أى قرار يتخذ لا بد أن يدرس بعناية لأن له كلفة مالية واقتصادية، فقد يستفيد منه فئة أو فئتين لكن قد يضر بالاقتصاد المصرى كله وجميع فئات الشعب.

وبمناسبة هذا الخبر أتذكر أن المستشار جودت الملط عندما تولى جهاز المحاسبات المصرى فى نهاية حكم الرئيس مبارك، أصدر سلسلة تقارير انتقد فيها بعنف التصرفات المالية لحكومة الدكتور أحمد نظيف، وذهب إلى مجلس الشعب، وقام بمواجهة وزير المالية وقتها الدكتور بطرس غالى، وكان يريد أن يقوم الجهاز بدوره الرقابى الحقيقى المنصوص عليه فى القانون.

وتعرض الرجل وقتها لحملة كبيرة من نواب البرلمان ومن وسائل الإعلام واتهم بأنه يريد إحداث «شو إعلامى» لنفسه، بل تم تأليب بعض موظفى الجهاز ضده رغم أنه اتبع المعايير العالمية لعمل أجهزة المحاسبة فى العالم،

فالفرق بين ما حدث من 10 سنوات فى مصر، وبين ما حدث من 3 أيام فى فرنسا كبير فى فهم القائمين على الأجهزة لأدوارهم وفهم الناس لدور كل جهاز، وأن هذه الأجهزة ملك الناس، وليست ملك من يديرها، والأهم عندهم هو الشعب فقط لا غير.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى