نون والقلم

المستشار بهاء ابوشقة يكتب: «الغزالي» والتصوف

مازلنا بصحبة الفيلسوف الكبير أبو حامد الغزالي واليوم، نتحدث عن قصته مع التصوف، قبل أن يستقر أمر «الغزالي» علي التصوف مر بمراحل كثيرة في حياته الفكرية، كما يرويها هو نفسه في كتابه المنقذ من الضلال، فابتدأ بمرحلة الشك بشكل لا إرادي والتي شك خلالها في الحواس والعقل وفي قدرتهما علي تحصيل العلم اليقيني ودخل في مرحلة من السفسطة غير المنطقية حتي شفي منها بعد مدة شهرين تقريباً ليتفرغ بعدها لدراسة الأفكار والمعتقدات السائدة في وقته، يقول: «ولما شفاني الله من هذا المرض بفضله وسعة جوده أحضرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق»:

المتكلمون: وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر، والباطنية: وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم، والفلاسفة: وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان، والصوفية: وهم يدعون أنهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة، ويتابع ويقول: «فابتدرت لسلوك هذه الطرق واستقصاء ما عند هذه الفرق مبتدئاً بعلم الكلام ومثنياً بطريق الفلسفة ومثلثاً بتعلم  الباطنية ومربعاً بطريق الصوفية»، فعكف علي دراسة علم الكلام حتي أتقنه وصار أحد كبار علمائهم وصنف فيه عدة من الكتب التي أصبحت مرجعاً في علم الكلام فيما بعد مثل كتاب «الاقتصاد في الاعتقاد» إلا انه لم يجد ضالته المنشودة في علم الكلام ورآه غير واف بمقصوده، يقول عن نفسه: فلم يكن الكلام أي علم الكلام في حقي كافياً ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافياً، «بعد ذلك توجه لعلم فرد عليهم وهاجمهم ليستقر أمره علي علم التصوف».

بعد تلك المراحل بدأ اهتمام «الغزالي» يتجه نحو علم التصوف فابتدأ بمطالعة كتبهم مثل: قوت القلوب لأبي طالب المكي، وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الجنيد وأبي بكر الشبلي وأبي يزيد البسطامي، كما انه كان يحضر مجالس الشيخ الفضل بن محمد الفارمذي الصوفي والذي أخذ عنه الطريقة فتأثر بهم تأثراً كبيراً حتي أدي به الأمر لتركه للتدريس في المدرسة النظامية في بغداد واعتزاله الناس وسفره لمدة 11 سنة نقل خلالها بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة المنورة كتب خلالها كتابه المشهور في التصوف إحياء علوم الدين وكانت نتيجة رحلته الطويلة تلك إن قال.

وانكشفت ليّ في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها والقدر الذي أذكره لينتفع به أدني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالي خاصة وأن سيرتهم أحسن السير وطريقهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكي الأخلاق.

وللحديث بقية

رئيس حزب الوفد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى