قبل فترة، قال الرئيس الأمريكي ترامب ان بلاده ستبقي على وجودها العسكري في العراق، وذلك من أجل أن تقوم القوات الأمريكية بمراقبة إيران عن كثب، على اعتبار أن إيران تمثل مشكلة حقيقية.
الرئيس العراقي برهم صالح تعليقا على هذا الكلام قال إن ترامب لم يطلب إذنا من العراق كي تقوم القوات الأمريكية بهذه المهمة، وخاطب ترامب قائلا: «لا تثقلوا العراق بقضاياكم. الولايات المتحدة قوة كبرى، لكن لا تسعوا وراء أولويات سياساتكم فنحن نعيش هنا». ووضح ما يقصده قائلا: «إن من مصلحة العراق الأساسية أن تكون لها علاقات طيبة مع إيران».
حديث الرئيس العراقي يعني مباشرة أمرين محددين:
الأول: انه يرى أن ترامب بإعلانه هذا انتهك سيادة العراق إذ لم يهتم حتى بأخذ رأي قادتها.
والثاني: انه يرى أن ما تعتبره أمريكا أولوية بالنسبة لها لا يمثل بالضرورة أولوية بالنسبة للعراق. وأوضح ذلك بأنه إذا كانت أمريكا تعتبر إيران مشكلة وتريد أن تراقبها من العراق فإن العراق يريد علاقات طيبة مع إيران.
ما قاله الرئيس العراقي على هذا النحو لا غبار عليه أبدا. بالعكس؛ حين يعبر عن التمسك بسيادة العراق ويصرّ على رفض أي إجراء من دون الرجوع إلى القيادة العراقية، وحين يصر على الدفاع عن أولويات العراق، فهذا موقف يستحق التقدير. مهمة أي رئيس وأي حكومة في العالم هي في المقام الأول والأخير الدفاع عن سيادة الدولة ورفض أي انتهاك لها.
ومع هذا، فإن ما قاله الرئيس العراقي يثير تساؤلات كثيرة جدا، وذلك انطلاقا من مبدأ أساسي هو إن السيادة لا تتجزأ، والدفاع عن السيادة يجب أن يكون في مواجهة أي انتهاك لها من جانب أي دولة أو جهة.
السؤال الأكبر هنا هو: لماذا لم يطبق الرئيس العراقي ما قاله ردا على ترامب على إيران وما تفعله في العراق؟
ما تفعله إيران في العراق يعرفه العالم كله، والشعب الراقي نفسه قبل العالم.
إيران منذ ما بعد غزو واحتلال العراق فرضت سيطرتها السياسية وعلى كل المستويات في البلاد. فرضت هذه السيطرة بالقوة والإرهاب المباشر. تتدخل دوما وبشكل سافر في عمل الحكومة العراقية وتسعى إلى مصادرة قرارها بما يخدم الأجندة الإيرانية. وعن طريق المليشيات المسلحة الطائفية التي أنشأتها فرضت سطوتها بإرهاب الآخرين.
والأمر لا يقف عند ما فعلته إيران بالعراق والعراقيين على هذا النحو وأكثر منه. إيران استخدمت العراق ساحة ومنطلقا لتهديد أمن واستقرار عديد من الدول العربية. قامت بتدريب كثيرين من البحرين والسعودية وعديد من الدول العربية على أرض العراق وترسلهم لكي يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم بتمويل وتسليح إيراني.
باختصار، إيران تصادر عمليا سيادة العراق واستقلاله.
السؤال هنا هو: هل حصلت إيران على إذن من العراق كي تفعل ما تفعله وكي تستبيح سيادة واستقلال العراق وتستخدم أراضيه لممارسة الإرهاب، ولتهديد أمن أشقائه العرب؟ وهل يمثل ما تفعله إيران أولوية أو مصلحة عراقية؟
هل يحصل قاسم سليماني مثلا على إذن من الحكومة العراقية حين يصول ويجول في العراق ليتآمر ويسعى لفرض الأجندة الإيرانية؟
ونفس التساؤلات تثار أيضا فيما يتعلق بتركيا التي لا تتردد في شنّ العدوان تلو العدوان على أراضي العراق وتنتهك سيادته.
كما ذكرت، لا يعني كل هذا أن الرئيس العراقي مخطئ فيما قاله تعليقا على كلام ترامب. بالعكس، سيادة واستقلال العراق يجب الدفاع عنهما ويجب رفض ما يمكن أن يهددهما.
لكن القضية انه لا يجوز في نفس الوقت الصمت أو التستر على الجرائم التي ترتكبها أيران وتنتهك فيها سيادة واستقلال العراق، وأي دولة أخرى.
على العموم ، نتمنى أن يأتي يوم ينتفض فيه شعب العراق ويخلص بلاده من كل من ينتهك سيادته واستقلاله، ومن كل من يتواطأون على هذا الانتهاك.