هذا الكبير القلب والعقل هو من أعطى توصيفاً دقيقاً لدولة الإمارات عندما قال: إنها دولة تسعى لكي تكون أنموذجاً للتعايش وللأخوة الإنسانية.
تحتضن دولة التسامح والعطاء الإنساني، حوار الأخوة الإنسانية بين الأديان، بمشاركة البابا فرنسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية، والدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر. ولعل العنوان للحوار ينسجم مع السياسة التي انتهجتها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ما قبل تأسيسها واستقلالها، في التعاطي بتسامح مع مختلف الأديان والعقائد طالما أن هناك ما يمكن أن يوحد الجميع في العطاء والعمل الإنساني الخلاق، الذي ينبذ الحقد والكراهية.
فالأصل في الأشياء أن نبحث عن نقاط التفاهم وليس عن نقاط الاختلاف، وأن نضيق الهوّة بين الخلافات ونوسع الصدور البشرية للمحبة والتفاهم. ولعل ديننا الحنيف يتسع لكل المفاهيم الخيّرة وينبذ ما يحاول الأعداء من الجهلة تحميله إياه؛ لأنه دين غفران وحوار وجدال بالتي هي أحسن منذ بداية الإسلام الذي احتضن الأديان الأخرى تحت شعار: «لا إكراه في الدين». وهناك عشرات الآيات الداعية إلى التسامح في القرآن الكريم أهمها قوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ» (سورة الممتحنة).
في هذه الآية البليغة يدعو سبحانه وتعالى المسلمين إلى البر والتعامل بالعدل مع غير المسلمين. وقوله جل وعلا: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (سورة العنكبوت).
في هذه الآية أيضاً، ضرورة التعامل بإحسان مع أهل الكتاب. وقوله تعالى: «قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». (سورة البقرة). فالقرآن الكريم يزخر بالدعوة إلى الحوار والجدال الحسن؛ لأنه دين يخاطب العقل البشري ويحفزه على التدبير والتفكير.
ولعل دولة الإمارات التي يعيش على ترابها قرابة مئتي جنسية من كل العقائد والديانات فوق الكرة الأرضية، تمثل أنموذجاً حياً للتسامح والتعايش بين الجميع، وتوفر الأمن والأمان والحرية للجميع. وتفتح نوافذ الأمل لكل إنسان مؤمن بالخير والمساواة وقلبه مفعم بالمحبة للآخر؛ لأن البديل هو الحقد الأعمى الذي يهدم ولا يبني، ويدمر ولا يعمِّر. وكلنا نشهد العبارات الكريمة من البابا فرنسيس الداعية إلى إحقاق العدل في المنطقة وتغليب لغة الحوار على لغة الكراهية، وحل القضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية، واحترام وضع القدس، ووقف الحرب في سوريا، وبناء مجتمع متماسك على مبدأ احترام كرامة الإنسان.
فهذا الكبير القلب والعقل هو من أعطى توصيفاً دقيقاً لدولة الإمارات عندما قال: إنها دولة تسعى لكي تكون أنموذجاً للتعايش وللأخوة الإنسانية وللقاء الثقافات والحضارات، وهو في ذلك يدرك مغزى الحوار البناء الذي تستضيفه الدولة، ويريد البناء عليه لعل الجسور تقام بين المختلفين دولياً، بدلاً من الخنادق؛ لأن روح الأديان هي الخير والعمل الصالح ولا جدال حول ذلك.
فالحضارة الإنسانية هي نتاج الجدل الموضوعي والحوار ومراكمة الإنجازات البشرية البناءة عبر القرون، من مختلف المنابع والأفكار، طالما أن الهدف هو خدمة الإنسانية وترسيخ مبدأ الحوار والتعايش.
فالاتفاق على مثل هذا المبدأ، كفيل بتخفيض حدة التوترات بين البشر جميعاً. فالاختلاف ليس مدعاة للحرب والكراهية؛ بل هو دعوة إلى الحوار والتآخي ونبذ العنف، وليس مطلوباً أن نلوي عنق الكتب السماوية ونفسرها بما يخدم سياسات القتل والظلم؛ بل تركها تنساب على طبيعتها الإلهية الداعية إلى احترام الحق والنفس الإنسانية، وإقامة العدل بين كل الأجناس والمبادئ.
ومن عاش في دولة الإمارات يدرك أكثر من غيره طبيعة المجتمع السمح المبني على الاحترام المتبادل، فهي مدرسة يتعلم فيها الإنسان؛ نظراً لطبيعتها الحياتية، حيث روح التسامح والتضامن الإنساني واحترام الأفكار وجعلها تنسجم مع بعضها بعضاً، وصولاً إلى تحقيق منجزات حضارية تخدم الكل.
hafezbargo@hotmail.com