لأنها تعيش حالة إنكار للواقع، واصلت الدوحة توصيف مقاطعتها بـ «الأزمة الخليجية». لا السعودية ولا الإمارات ولا البحرين، ولا مصر غير الخليجية، أطلق هذا الوصف. جميع الدول المقاطعة تعلن أن الأزمة «قطرية»، وأن الأزمة لا تؤثر على استقرار مجلس التعاون، وبالتالي هي أزمة صنعتها الدوحة، وعلاجها من الدوحة.
أشهر قليلة ونكمل عامين على مقاطعة الدول الأربع لدولة قطر. الحياة تمضي جيداً في الدول المقاطعة، ولم تمس دعاية الدوحة استقرار الخليج. وقطر دوخت شعبها والعالم بخطابين متناقضين، تبكي في الأول من جور الجيران، وتفاخر بالثاني بالثبات والخلاص من تسلطهم. وأميرها «لفّ» العالم من البيرو إلى اليابان حاملاً سلة من المشاريع والعروض الاقتصادية والسياسية، ولم يختم زيارة واحدة من دون تذكير مضيفيه بأنه محاصر، وهو بذلك يصيبهم بالدهشة والريبة، فكيف لهم توسعة العلاقة مع بلد منبوذ ومحاصر من أقرب جيرانه، ويشككهم في قدرة بلاده على تحقيق أهداف كل هذه الشراكات المرجوة.
لقد أسمعت قطر شكواها للعالم كله. أليس إعلامها يفتخر بتحقيق وزير خارجيتها أطول وأشمل جولة حول العالم لإيصال معاناتها؟! استمع العالم للشكوى، وتشجع في الأشهر الأولى لإيجاد حل. واليوم، متى سمعتم آخر دعوة غربية أو شرقية أو عربية للحل؟ لقد طوي العالم هذا الخلاف الصغير، ومضى في بناء دوله، ولم يعد أحد يكترث.
وبعد ذلك كله، تؤكد الدوحة على قدرتها العيش خارج منظومة الخليج، والمضي في تنمية الدولة بعيداً عن العلاقة مع السعودية والإمارات. وهذا من الأخبار الجيدة لأهل قطر، والمفيدة للدول المقاطعة، والمريحة للبقية من استمرار البكاء والعويل. وهي فرصة لتجيب الدوحة على سؤال شعبها: إذا كنا في أحسن حال، فلماذا تخصص قناة الجزيرة معظم وقتها لولي العهد السعودي؟
لن يجد شعب قطر مسؤولاً واحداً يجيب على ذلك السؤال. وقبله لم يجدوا جواباً على سؤالهم: لماذا قاطعونا أو حاصرونا أو عاقبونا؟ هذه أسئلة جوهرية في صلب الأزمة، والإجابة عليها صراحة ستساعد الجميع على فهم هويتها؛ هل هي قطرية أم خليجية؟
وإذا كانت حكومة قطر غير قادرة على توفير إجابة على أسئلة شعبها؛ من أسباب المقاطعة إلى حملات الجزيرة، فعليها التعايش مع واقعها الذي أرادته، وأن تكف عن الصراخ المستمر، فالمقاطعة خيارها، وأمر نهايتها بيدها وليس بيد المقاطعين. أما الدول المقاطعة، فقد جربت العامين من دون قطر، وتأكدت أن آلام الأسنان كانت من «سوسة الخليج»، وقد اكتفت بعلاج الوقاية، ولم تخلع ضرس العقل!