قبل أيام، شنَّ الرئيس الأمريكي ترامب هجوما عنيفا على أجهزة المخابرات الأمريكية ووصفها بالسذاجة والسلبية، ونصح المسؤولين في هذه الأجهزة بالعودة إلى مقاعد الدراسة.
سبب هذا الهجوم هو أن ترامب لم يعجبه ما جاء بالتقرير الذي صدر مؤخرا عن أجهزة المخابرات فيما يتعلق بإيران والخطر الإيراني.
التقرير المقصود هو تقرير تقدير التهديدات العالمية لأمريكا، وهو يصدر سنويا معبرا عن موقف وتقدير كل أجهزة المخابرات الأمريكية الـ16.
أمران لم يعجبا ترامب فيما جاء بالتقرير عن إيران وخطرها.
الأمر الأول، أن التقرير اعتبر أن إيران، بحسب تقدير أجهزة المخابرات، لا تقوم حاليا بتطوير إمكانيات صناعة أسلحة نووية. ومن الواضح أن ترامب لم يعجبه هذا التقدير واعتبره فيما يبدو تقليلا من شأن الخطر الإيراني، أو ربما اعتبره تشكيكا في جدوى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.
لكن الجانب الأهم في تقديري الذي أثار غضب ترامب هو ما تضمنه التقرير من توقعات تتعلق بالخطر الإيراني حاليا وفي الفترة القادمة.
التقرير يقول هنا إن التهديد الإيراني والخطر الإرهابي الذي تمثله في المنطقة، ومن ثمَّ تهديد المصالح الأمريكية، لم يتراجع. ويتوقع التقرير أن هذا الخطر سوف يستمر ويتصاعد في الفترة القادمة. سبب ذلك في تقدير أجهزة المخابرات أن النظام الإيراني لم يتخل عن أطماعه في المنطقة ولا عن أجندته الإقليمية، ولم يتخل عن اعتبار أن الإرهاب أداة أساسية لتحقيق هذه الأطماع.
ويتوقع التقرير أن المتشددين في إيران ستظل لهم السيطرة، ولن يستطيع المعسكر المعتدل التصدي لهم.
والتقرير وإن كان يتوقع أن احتجاجات شعبية سوف تندلع في إيران في الفترة القادمة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه يرى أن هذه الاحتجاجات ستظل بلا قيادة موحدة وبلا تنظيم، ويرى أن النظام مستعد للتعامل مع هذه الاحتجاجات؛ أي أن التقرير لا يتوقع نجاح أي احتجاجات قادمة في إجبار النظام على تغيير سياساته أو تهدد وجوده.
ما الذي لا يعجب ترامب في هذا التقدير؟
السبب أن هذا التقدير يختلف إلى حد كبير مع تقديرات ترامب نفسه. هو يعتبر أن الإجراءات التي اتخذها ضد إيران قد حجّمت من سياساته وتصرفاته الإرهابية، وأن العقوبات التي فرضها دفعت الاقتصاد الإيراني إلى حافة الانهيار، أو الانهيار فعلا كما قال، وأن هذا الأمر في حد ذاته ردع النظام الإيراني. ومن المعروف أن ترامب يراهن على انهيار الاقتصاد الإيراني وأزمة النظام عموما في إجبار الإيرانيين على التخلي عن الإرهاب في المنطقة مستقبلا.
لكن تقدير أجهزة المخابرات يقول غير هذا. ما جاء بالتقرير يعني في جوهره أن أجهزة المخابرات ترى، وإن لم تقل هذا مباشرة، أن الإجراءات التي اتخذها ترامب ليس من المتوقع أن توقف الإرهاب الإيراني أو تنهيه، وليس من المتوقع أن تضع حدا لما تمثله إيران من تهديد للمصالح الأمريكية.
الآن، أيهما على حق؟.. ترامب أم أجهزة المخابرات؟
ترامب على حق في جانب. بالتأكيد لا أحد يستطيع أن ينكر أن السياسات الحازمة التي اتبعتها إدارة ترامب في مواجهة إيران وإرهابها، والإجراءات التي اتخذتها وخصوصًا فرض العقوبات، قد مثلت عامل ردع للنظام الإيراني، ولا شك أنها قللت من حجم إرهاب النظام في المنطقة.
لكن القضية هنا، وهذا ما يجعل تقدير المخابرات صائبا، هو أن هذه العقوبات والإجراءات السياسية سيبقى تأثيرها محدودا؛ بمعنى أنها بحد ذاتها ليست كافية لوضع حد للإرهاب الذي تمارسه إيران هي وعملاؤها في المنطقة، ولا إنهاء الخطر الإيراني فعلا.
والمعنى في كل هذا أن إنهاء الخطر الإيراني بما يعنيه ذلك بالضرورة، ليس فقط من وقف الإرهاب الذي تمارسه، وإنما أيضا إنهاء وجودها في دول مثل العراق وسوريا واليمن، لا يمكن أن يتحقق عبر العقوبات وحدها أو المواقف السياسية المعلنة، وإنما يتطلب ما هو أكبر وأبعد من هذا من سياسات وإجراءات عملية، من أمريكا والدول العربية.