لا فرق كبيراً بين الإرهابيين الذين نشطوا لفترة طويلة في سيناء قبل أن يتم القضاء على غالبيتهم، وبين زملائهم الذين ينفذون جرائمهم بين المحافظات والمدن الأخرى، أو وسط التجمعات السكانية والشوارع الضيقة، أو هؤلاء الإرهابيين الذين مارسوا الإرهاب الصحراوي واستغلوا المساحات الواسعة من الرمال ما بين مدن الصعيد والحدود الغربية لمصر مع ليبيا فكلهم مجرد إرهابيين إما خرجوا عن جماعة الإخوان، أو نشأوا بعيداً عنها والآن يلقون دعم الجماعة وتشجيعها.
بينما كان المصريون يحتفون بخبر نجاح القوات المسلحة أول من أمس، في القضاء على خلية إرهابية في صحراء مدينة الفيوم غرب العاصمة، كانت وسائل الإعلام القطرية واللجان الإلكترونية الإخوانية ورموز التنظيم المقيمين في مدن تركية، يصرخون ويبكون نجاح العملية، قبل أن يتمكن الإرهابيون الثمانية الذين قتلوا في قلب الصحراء من تنفيذ هجمات إرهابية يبدو وكأن استعدادات كانت تجرى في الدوحة واسطنبول ومدن أوروبية يدار منها النشاط الإخواني للاحتفاء بها، واستغلالها للشماتة والضغط على الحكم في مصر ومعايرة الشعب المصري الذي ثار ضد حكم الإخوان وخلع محمد مرسي من المقعد الرئاسي وأطاح بنفوذ تلك الجماعة.
البيان الرسمي الذي صدر من المتحدث العسكري حول العملية، أكد أنها جاءت نتيجة تعاون استخباراتي بين الجيش والشرطة، وأن معلومات مؤكدة توافرت حول وجود أعضاء الخلية الإرهابية في الظهير الصحراوي غرب البلاد للاستعداد لتنفيذ أعمال إرهابية، وأن القوات الجوية استهدفت الموقع بالتزامن مع قيام قوات مكافحة الإرهاب بتمشيط المنطقة، وأن العملية أسفرت عن القضاء على 8 إرهابيين وضبط آخرين وتدمير ثلاث سيارات دفع رباعي وضبط أسلحة ومتفجرات داخل الوكر.
المؤكد أن نجاح الحملة التي يتبناها الجيش منذ بداية العام لمهاجمة وتصفية البؤر الإرهابية في سيناء وأفضت إلى انخفاض حاد في وتيرة العمليات الإرهابية في شبه الجزيرة، دفعت بالإرهابيين إلى تغيير خططهم للانتقال إلى التجمعات السكانية أو الهروب إلى الصحراء، خصوصاً جهة الغرب، حيث تكون خطوط الاتصال والانتقال إلى الحدود الليبية متاحة، لكن تكرار انطلاق الإرهابيين من جهة الغرب ووقوع أعمال إرهابية هناك جعل الأجهزة المصرية أكثر خبرة في التعاطي مع التنوع الاستراتيجي في العمليات الإرهابية وتغيير أنماط المواجهة إلى قلب الصحراء من جهة الغرب.
عموماً، فإن ردود فعل الإخوان والدول والجهات الداعمة للجماعة جاءت متوقعة، ووصفهم للعملية بأنها «تصفية» ليس جديداً، والمصريون صاروا أكثر قدرة على قراءة أفعال الإخوان وداعميهم وأصبحوا يعرفون مفردات الآلة الإعلامية للتنظيم والأساليب التي تعتمدها المنصات الإعلامية القطرية والقنوات التي تُبث من تركيا، والتي تقوم على استخدام كل عمل إرهابي لمحاولة الإيحاء بعدم قدرة الأمن في مصر على حماية المواطنين، والدفاع عن كل إرهابي يتم القبض عليه، والادعاء بأن لا ذنب له، والزعم بأن كل مجرم يسقط قتيلاً في مواجهة مع الجيش أو الشرطة، هو مجرد مواطن أو معارض أو ناشط!! تماماً كالحملات التي يشنها الإخوان وأتباعهم ضد كل مشروع مفيد للناس أو قرار يخفف الأعباء عن المصريين أو حتى احتفال بمناسبة قومية أو وطنية.
بالنسبة للإرهاب، فإن المصريين صاروا يتعاطون مع الظاهرة باعتبارها ثمناً يسددونه نظير حفاظهم على دولتهم موحدة متماسكة غير مقسمة، وهم يعيشون حياتهم بصورة طبيعية ويتعاطون مع أفعال الإخوان وجرائمهم باعتبارها مجرد رد فعل على نجاحهم في تحويل حلم الجماعة بحكم مصر إلى كابوس كبير يعيشه ذلك التنظيم، ومعه كل البلاد والجهات التي خطّطت وجهّزت ورتّبت ظروفها على واقع حوّله المصريون إلى خيال.
وسواء نشط الإرهابيون وفلول الإخوان في سيناء أو الصحراء الغربية أو حتى بين الأحياء الشعبية والمناطق المزدحمة، فإن واقع الأمر يشير في مصر، إلى أن الدولة بكل مكوناتها تجاوزت مرحلة الفوضى ولم تعد آثار الإرهاب وتداعياته تحول دون أن تمضي الحياة بصورة طبيعية، حتى وإن ظل احتمال وقوع عمليات إرهابية قائماً، طالما بقيت دول وجهات وأجهزة استخبارات تستخدمه وتتعاون سراً مع منفذيه، ومادام العقاب الدولي لداعمي الإرهاب ومحركيه غائب.