أجمل شعور يمكن أن يعيشه عاشق للسينما يحدث عندما تجد فيلم له معالجة فنية مختلفة؛ يجعلك تفكر وتغوص بين مشاهده؛ ويظل مستحوذ على تفكيرك محاولا استنباط ما يريد قوله؛ وهذا ما حدث لي مؤخرا وأنا أتابع الفيلم الأسباني The Laws of Thermodynamics 2018 قوانين الديناميكا الحرارية؛ للمخرج ماتيو جيل الحائز على جائزة جويا لأفضل سيناريو أصلي، جائزة جويا لأفضل سيناريو مقتبس، Goya Award for Best Fictional Short Film؛ والذي زاد من جماله موسيقى فرناندو فيلاسكيز.
الفيلم مبنى على ربط مشاعر الإنسان وتصرفاته العاطفية بقوانين الديناميكا الحرارية Thermodynamics مرتكزا على قانونين أساسيين وهما القانون الأول والثاني للديناميكا الحرارية؛ بسرد سينمائي روائي يتخلله مقاطع وثائقية مؤكدا أن مشاعرنا وأحاسيسنا تتأثر بانتقال الطاقة أثناء التغيرات الكيميائية والفيزيائية، معللا الانجذاب العاطفي والجنسي لأبطال الفيلم بشكل أساسي على مفاهيم الحرارة والشغل والطاقة والمحتوى الحراري والعشوائية وهي نفس المفاهيم التي تقوم عليها قوانين الديناميكا الحرارية.
فإذا كان القانون الأول ينص على أن الطاقة لا تُفنى ولا تُستحدث من العدم؛ فأن بطل الفيلم يحاول أثبات ذلك من خلال علاقته العاطفية بالفتاة التي أحبها؛ وأن كان يحصر نفسه من خلال البناء الدرامي لشخصيته في القانون الثاني للديناميكا الحرارية والذي يعتمد على أنه في النظام المعزول تتزايد العشوائية أو الإنتروبيا Entropyوهي درجة التعادل الحراري مع مرور الوقت؛ وهى ما قد تفسر حالة الفتور التي تنتاب البطلة تجاه البطل وخاصة أن كليهما على النقيض من الأخر تماما فهو نموذج للنظام وكأنه أحد الكواكب التي تسير في المنظومة الكونية حول الشمس؛ بينما هي نموج للعشوائية والتي تأتي من القانون الثاني للديناميكا الحرارية الذي ينص على أن جميع الأنظمة تميل إلى الوصول للاتزان؛ وكأنها أيضا أحد الثقوب السوداء لستيفن هوكينج !
والفيلم كوميديا رومانسية تحركها المعادلات العلمية، لكن الكاتب الإسباني والمخرج ماتيو جيل يأخذ هذه الفكرة إلى مترادفين مختلفين في «قوانين الديناميكا الحرارية»؛ من خلال انصهار عاطفي إلى حد الهوس في قصة حب ودروس فيزياء، حيث إن كل خطوة على طول السرد السينمائي البديع ليست عن طريق القلب، بل الذرات والإنتروبيا؛ وفيلم جيل يقوم بتحريك القلب ويدغدغ العقل، من خلال شخصياته، الذين يتواجدون كعوامل لتفسير نظريات السيناريو، إلى جانب الاستعانة بتحليل من خلال مشاهد وثائقية للعلماء؛ والنتيجة النهائية هي مزيد من الفضول للمشاهد.
والجميل أن هذا يتم من خلال خلفيات برشلونة ذات المناظر الطبيعية الخلابة التي تتخللها الشمس، لتكون ساحة المدينة المزدحمة مكان الالتقاء الأول بين عالم الفيزياء الفلكية مانيل (فيتو سانز) والممثلة الجميلة إيلينا (بيرتا فاسكويز) حيث يصطدمان ببعضهما البعض في تصادم غريب من أربعة أشخاص، يعقبه سلسلة مشاهد رومانسية كوميديا مع التعليقات العلمية؛ بل ويستخدم المخرج الرسوم البيانية لإثبات أن ما نفكر فيه كقالب السلوك البشري هو في الواقع علاقات فيزيائية بين أشكال مختلفة من الطاقة.
لنعيش تجربة مانيل وإلينا العاطفية والعلاقة بين الأضداد والجذب، ولكن لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى نصل إلى أنه من غير المحتمل أن يكون الاستمرار بهذا الشكل وخاصة مع انتقال البطل لتفسير كل شيئ عن طريق ربط حقول القوة الكهرومغناطيسية بالمشاعر المضطربة.
ويستخدم المخرج كل السبل لتوصيل فكرته عبر مونتاج متمكن قادر على الانتقال بين الرسم، والشريحة المقسومة، والتكرار، والعودة إلى الوراء، ومحاولات تطبيق قوانين الفيزياء على ممارسة الحب لا تنتهي من التشويش، ورما ساعده على تفسير ذلك أيجاد علاقة متوازية للبطلين الرئيسين؛ تم تشكيلهما من قبل بابلو (تشينو دارين) وإيفا (فيكي لوينجو) كإغاثة وثقل موازن للرومانسية المركزية التي كتبها مانيل وإلينا (بيرتا فاسكيز)، لأنه في النهاية الأربعة يمثلون النماذج المختلفة للانجذاب العاطفي.
ولقد اعتمد السيناريو على رؤية ألبرت أينشتاين النسبية للزمن بقوله: «عندما تتكلم مع فتاة جميلة، فإن الساعة تبدو ثانية. لكنك عندما تجلس على فحم متقد فالثانية مثل ساعة»، وهذا ما يشير إليه ماتيو جيل في الفيلم بين الرضا النسبي في قصص الحب والحل الفاشل.
ولقد كان المخرج موفقا باختياره بيرتا فاسكويز صاحبة الجمال ذو البشرة الداكنة وهي نصف إثيوبية ونصف أوكرانية، ونتيجة لمثل هذا الخليط من الدم، ظهر مزيج غريب من الجمال المذهل، ولقد عرفها الجمهور وتعلق بها من خلال فيلم فرناندو مولينا جونزاليس «النخيل في الثلج» وخاصة بين الشباب، عندما كبرت بيرث، أخبرها العديد أنها كانت تتمتع بصوت مثير مخملي، كما أنها اهتمت كثيرا بالرقص، وكانت مرنة جدا، وتشعر تماما بالإيقاع وهذا يبدوا واضحا في المشاهد الراقصة بالفيلم.
في عام 2015 ، حصلت على أول دور مهم لها في مسلسل Visavi ، والذي لعبت دور البطولة في موسمين له، تألقت فاسكويز في الفيلم القصير L’Agent وفى فيلم berty vazquez mario kazas لعبت بشكل ممتاز دور متزوجة من أمريكي من أصل أفريقي، من الذين منعتهن الحرب من الطيران مع زوجها إلى وطنه، لذلك تبقى وحدها مع الأطفال وتأمل في رؤية زوجها مرة أخرى.
وتشارك في الفيلم إيرين إسكولار الممثلة الاسبانية مواليد 19 أكتوبر؛ 1988 في مدريد؛ ولقد تدربت في مدرسة التمثيل لمدة أربع سنوات، درست الملكية للفنون المسرحية في لندن أدت دور «خوانا المجنونة» بمسلسل ايزابيل و فراق العرش؛ و حصلت جائزة جويا لأفضل ممثلة صاعدة؛ أما بطل الفيلم فيتو سانز فهو ممثل، معروف من أهم أعماله Normal ، Vergüenza و Casi 40.
وفى الحقيقة أن ثمة أعمال عديدة ربطت بين الإبداع الفني والعلمي ومنها Madam Curie تأليف ألدوس هكسلي و قد ترشح لسبعة جوائز أوسكار، وهو عن مدام كوري البارزة في مجال البحث العلمي؛ وفيلم A beautiful mind وهو عن قصة صراع العبقري المجنون جون ناش، عالم الرياضيات الذي قضى نصف حياته في المصحات النفسية والذي ذهبت لجنة كاملة من نوبل للتأكد من انه في حالة عقلية تسمح باستلام الجائزة؛ ومن المعروف أن جون ناش كان له تخصص مميز واهتمامه بما يسمى نظرية الألعاب وتسمى أيضاً نظرية المباراة، وتعرف بأنها وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار في ظل الظروف المعطاة لأجل الحصول على النتائج المرغوبة.
بالرغم من ارتباط نظرية الألعاب بالتسالي المعروفة كلعبة الداما، إكس أو، والبوكر، إلا أنها تخوض في معضلات أكثر جدية تتعلق بعلم الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، بالإضافة إلى العلوم العسكرية..الفيلم من بطولة راسل كرو، وقد حاز على أربع جوائز أوسكار.
وهناك فيلم نظرية كل شيء سيرة ذاتية ورومانسية إخراج جيمس مارش وكتابة أنثوني مكارتن، مستوحى من مذكرات السفر إلى اللانهاية: حياتي مع ستيفن لـ جين وايلد هوكينج، الذي يركز على علاقتها مع زوجها السابق، العالم الفيزيائي النظري ستيفن هوكينج، وتشخصيه بداء العصبون الحركي ونجاحه في الفيزياء.
وفيلم Copenhagen – 2002 عن مناقشة رجلين يتصارعان على حب الوطن و حب العالم، والقوة الخارقة للعقل الإنساني التي تجعل صديقان يتناقشان في مستقبل السلام العالمي لمعرفتهما سر القنبلة الذرية.
وفيلم Einstein and Eddington – 2008 ودار بين الانجليزي ادنجتون والالماني اينشتاين، في عملية تعاون لإثبات صحة نظرية اينشتاين الألماني والتي ستلغي انجاز نيوتن الانجليزي حول الجاذبية، في نفس الوقت الذي كانت تخوض فيه بريطانيا وألمانيا الحرب العالمية الثانية؛ أما فيلم Creation – 2009 فهو عن صراع داروين الدائر بين الجانب المادي والروحاني، ويناقش مسألة وجود العدالة من عدمها في نظام الطبيعة الذي يتفوّق فيه الأصلح و يفترس فيه القوي الضعيف؛ وهو فيلم فلسفي علميّ راقي يبحث نظرية التطور من أكثر من جانب وبشكل عميق، ويدخل في أحداث معاناة داروين بسبب موت إحدى بناته، أمر شكّل له صراع دائم في نظرته لطبيعة الحياة.
وفى النهاية يبقى أن الفيلم الأسباني The Laws of Thermodynamics قوانين الديناميكا الحرارية يؤكد على أن المشاعر طاقة، والطاقة لا بد من تفاعل لإطلاقها، إذن فالمشاعر مادة، وقانون الديناميكا الحرارية ينطبق علي كل المواد. فهل المشاعر قابله لتلك العشوائية التي يُخلِفها تِكرار التفاعلات .