قبل سنوات، لم يكن يخطر ببال مخترع «الهاشتاج» كريس ميسينا، المصمم السابق في «جوجل»، أن فكرته التي تم رفضها في السابق ستحقق هذا الانتشار الكبير، رغم رفض مسؤولي «تويتر» هذا الأمر فى البداية، بحجة أن هذه الفكرة سيئة ولن يستخدمها إلا المغفلين فقط!
خلال الأسابيع والأيام الماضية، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، حممًا من الهاشتاجات، شكَّلت «انتفاضة» لم يسبق لها مثيل، من خلال تدشين حملات تتعلق بموضوعات اجتماعية واقتصادية.. ما بين جدٍّ وهزل وسخرية وبذاءات، وأخرى تحمل نيَّات طيبة.. أو خبيثة!
أصبحت تلك الحملات مثار اهتمام وجدل لافتَين من نشطاء وروَّاد السوشيال ميديا، بدءًا من حملة «خليها تصدِّي» لمقاطعة شراء السيارات بسبب ارتفاع أسعارها، و«خليها تعنِّس» التي أطلقها شباب لمواجهة تكاليف الزواج المرتفعة، لم تستمر طويلًا حتى تبعتها حملة فتيات للرد عليهم، من خلال تدشين حملة «خليك في حضن أمك».
لا يكاد يمر أسبوع، حتى نتابع صخبًا لافتًا لحملات وهاشتاجات، أشغلت الناس عبر مواقع التواصل، منذ حملة «خليها تحمض/ تعفِّن» لمقاطعة الخضراوات والفاكهة، بسبب الغلاء الفاحش وجشع التجار، و«خليها في المصنع» لمواجهة الارتفاع غير المبرر في أسعار السجائر.
ورغم أن تاريخ المصريين مع مقاطعة السلع ممتد لسنوات، حين كانوا حديثي عهد بتلك «الهوجة الظريفة»، كما حدث في العام 2015، حيث أطلق نشطاء حملة لمواجهة ارتفاع أسعار اللحوم، من خلال هاشتاج «بلاها لحمة»، والتي حققت نتائج محدودة ومتواضعة.
تلك المحاولات لم تؤثر بالشكل الكافي في إحداث المطلوب، والتاريخ القريب لم يكشف عن سابقة اكتمل نجاحها أو حققت نتائج كبيرة، حيث لا يجد المصريون أمامهم بديلًا لمواجهة أوضاعهم البائسة وأحوالهم المزرية سوى إطلاق حملات إلكترونية، آملين أن يمتد صداها إلى الشارع فتحدث «ضجة» قد تتناقلها الصحافة والإعلام.
وهنا يبدو منطقيًا تساؤل مهم عن جدوى تلك الحملات والهاشتاجات، في حل مشاكلنا المستعصية منذ عقود، سواء أكان وسيلة للاحتجاج «السلمي الصامت» على ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات، أو للضغط على المسؤولين والمعنيين، لخفض الأسعار، أو حل تلك الأزمات.
لكن الأمر أثار انتباه وحفيظة الكثيرين، من أصحاب المصالح ورجال الأعمال، الذين لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقاموا بشن حملات مضادة، لوقف فاعلية وتأثير تلك الحملات، خوفًا من انتشارها على نطاق واسع، وبالتالي تجنب نزيف الخسائر المحتملة.
نتصور أنه من خلال تلك التعبئة والشحن الزائد للحملات، والحملات المضادة، تبقى تساؤلات ضرورية حول مدى جدوى حملات المقاطعة، ومدى فاعليتها وتأثيرها في تخفيض الأسعار، أو إيجاد حلول مجتمعية لبعض الظواهر السلبية.
إذن، ربما يكون الواقع الذي نعيشه، أصعب من أن نختزله في إطلاق حملة هنا وهناك، أو تدشين هاشتاج عبر عالم افتراضي، خصوصًا إذا كان «أولو الأمر» بطبعهم يعيشون في برج عاجي، أو يتاجرون بأحلامنا وآلامنا، مستغلين واقعنا البائس، وأحوالنا المتغلغلة في الجهل والفقر والمرض!
أخيرًا.. نعتقد أنه بعد تجاوز مراحل ومرارات الصبر، لم يعد يُجدي نفعًا تقديم النصح لهؤلاء النشطاء ورواد السوشيال ميديا، أو البسطاء الغلابة، بإطلاق حملات جديدة، والاكتفاء فقط بأن يكون شعار المرحلة المقبلة هاشتاج #خليها_على_الله.
Zaher3333@gmail.com