“خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم”
مقولة سجلتها عدالة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حين قبض مفتاح الكعبة ودخلها يوم الفتح، ثم خرج وهو يتلو: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا”، ودعا عثمان ابن طلحة، وهو أحد أحفاد قصي بن كلاب من أبناء إسماعيل عليه السلام، ودفع إليه مفتاح الكعبة.
بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة المشرفة، وكانت السدانة بيد ابنه إسماعيل عليه السلام، الذي رفع القواعد مع والده إبراهيم. ثم اغتصبتها منهم قبيلة جرهم، ثم خزاعة، ثم استردها منهم قصي بن كلاب، الجد الرابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت إلى عثمان ابن طلحة.
وظيفة “سادن الكعبة”
سدانة الكعبة، تعني قيام السادن بكل ما يخص الكعبة المشرفة، تنظيف الكعبة وغسلها، كسوة الكعبة وإصلاحها إذا تعرضت لضرر، واستقبال زوارها، والإشراف على فتح بابها وإغلاقه.
مهمة الكسوة التي يجب أن يقوم بها السادن، تحولت في الوقت الحالي لجهة خاصة، وهو مصنع كسوة الكعبة، إلا أن إنزال كسوة الكعبة الجديدة لا يتم إلا بوجود السادن.
السادن، لا يمكنه تصوير الكعبة من الداخل، ويعود ذلك للعرف السائد في ضرورة حفظ خصوصيتها وسريتها من الداخل؛ احتراماً لقدسيتها. ومن المعروف أنّ الكعبة المشرفة غير مضاءة من الداخل، ولم توصل إليها الكهرباء، حيث تتزاجد فيها فوانيس معلقة، ويتم فتح بابها من قبل السادن في مناسبتين، عند غسلها بماء زمزم في شهر شعبان، وعند تعطيرها بعطر العود.
توارث المهنة وتنصيب السادن
ويتوارثها اليوم سلالة ابن طلحة المعروفين بـ “آل شيبة”، الذين فقدوا نهاية 2014 السادن عبدالقادر الشيبي، بعد خمسة أعوام على توليه السدانة، ليتسلمها صالح زين العابدين الشيبي، باعتباره أكبر السدنة سناً، وينوب عنه حسين طه الشيبي، شقيق السادن المتوفى، باعتباره الأكبر سناً بعد السادن الجديد.
وتنتقل السدانة في العائلة بالتوارث، ولا يشترط أن يكون السادن هو ابن السادن السابق، فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، والسن هو الذي يحدد السادن.
وتخصص السدانة لذكور عائلة الشيبي فقط، ويتم تثقيف الفتيات حول الإرث التاريخي الذي تحمله العائلة، وترافق نساء عائلة السدنة الضيفات المرافقات لضيوف الدولة، وبسبب هذه المهام التي يقومون بها تجاه الكعبة المشرفة، تحظى عائلة الشيبي بمكانة مرموقة في المجتمع المكي، وينظر إليها كإحدى أهم العائلات ذات المكانة في المجتمع.
مفتاح الكعبة
مفتاح الكعبة يحتفظ آل الشيبي في كيس خاص، تمت صناعته يدوياً في مصنع كسوة الكعبة، من ذات القماش الذي صنعت منه الكسوة، ويبقى هذا الكيس في مكان آمن في بيت كبير السدنة. ويذكر آل الشيبي أن مفتاح الكعبة لم يفقد أو يسرق في العصور الحديثة، إلا أن هناك محاولة جرت قديما جدا لسرقته وفشلت.
السادن المتوفي عبد القادر الشيبي وصف مفتاح الكعبة بأنه عادي من الحديد يبلغ طوله 35 سم، وتم تغييره عدة مرات في عصور إسلامية مختلفة.
وقد تسلم عبد القادر الشيبي نهاية عام 2013 مفتاح الكعبة الجديد من أمير مكة آنذاك، بعد أن تناقلت وسائل إعلام محلية اعتراضات الأسرة على تغيير المفتاح.
قفل الكعبة ومفتاحها الجديد صنعا من مادة النيكل المطلي بالذهب عيار 18، وكتب على الوجه الأول “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وعلى الوجه الثاني “إهداء من خادم الحرمين الشريفين”، وعلى الوجه الثالث “الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود”، وعلى الوجه الرابع “سنة ألف وأربع مئة وأربع وثلاثين”، وعلى الوجه الخامس الآية القرآنية “جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ” وعلى الوجه السادس آية “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ”.
مراسم غسل الكعبة
ويترقب سكان مكة وزوار الحرم المكي، غسل الكعبة المشرفة في غرة شهر شعبان من كل عام بماء زمزم المخلوط بأنفس أنواع العطور المعتقة، ويتقدم المراسم ملك المملكة العربية السعودية، أو من ينيبه، يرافقه السادن.
وتبدأ مراسم الغسل في الصباح، يفتح السادن باب الكعبة المصنوع من الذهب الخالص، إيذانا ببدء المراسم.
ولأن الكعبة كلها قبلة في داخلها، يصلي الجميع تجاه الأركان الأربعة. وبعد انقضاء الصلاة يشمر ملك السعودية أو نائبه عن سواعدهم، متناولين أقمشة بيضاء مبللة بماء زمزم المخلوط بالورد الطائفي الأغلى في العالم.
وبعد انتهاء عملية الغسل، تبدأ عملية التجفيف، والتعطير الذي يتم بالورد والمسك، وأفخر أنواع العود المعتق.
وفي التاسع من ذي الحجة الموافق ليوم عرفة، يقوم أفراد من مصنع كسوة الكعبة، بنزع إحرامها القديم، وإلباسها كسوة العام الجديد المصنوعة من الحرير الخالص، على يد أمهر النساجين والخطاطين.
تغيير الموعد
وفي هذا العام تأجل غسل الكعبة في الأول من شعبان، في حادثة لم تحصل منذ سنوات. سادن الكعبة الجديد، صالح الشيبي، أرجع أسباب التأجيل إلى أهمية الحفاظ على أمن وسلامة الزوار والمعتمرين.
واستعرض الشيبي، الواقعة التي حصلت في العام الماضي، حين تجمهر عدد من المعتمرين لمشاهدة أعمال غسل الكعبة وقاموا باعتلاء السقالات، الأمر الذي تسبب في تأثر بعضهم بجراح استدعت التدخل الطبي بشأنهم.
وبين الشيبي، أن الأعمال التي يشهدها الحرم المكي من توسعات؛ تستلزم إيقاف أي أمر يمكن أن يؤثر على سير تلك الأعمال التي تجري على قدم وساق في محيط الحرم.