تنزل “اليتيمة” من بيتها في ساعات الصباح الباكرة منذ عشر سنوات، متجهة إلى منطقة “باب العمود”، لتدخل أسوار بلدة القدس القديمة خالية اليدين إلا من آلة التصوير وبعض الوثائق التي تثبت هويّتها لجنود الاحتلال، ورسالة في ذهنها تريد نقلها من القدس إلى العالم، خاصة لأولئك المحرومين من زيارتها.
عندما تفتح حساب “اليتيمة” في موقع “انستجرام” لا ترى الصورة النمطية عن القدس منعكسة فيها، ولا تجد ما ترسخه التغطية الإعلامية الرسمية للأحداث فيها، والتي تهتم بالأحداث السياسية المركزية على حساب قصص الإنسان المقدسي وحياته اليومية.
وربما فقدت هذه الأخبار والصور، مع مرور الزمن وتكرار الأحداث، تأثيرها في المشاهد، وغيّبت عنه الصور الجميلة والتفصيلية عن المدينة وأهلها التي يعض عليها المسلمون بالنواجذ.
لكن “اليتيمة” اختارت الخروج من التصوير النمطي للمسجد الأقصى، لتركز على ما يقرّب المشاهد العربي والمسلم وكل متضامن مع القضية الفلسطينية من الحياة اليومية للناس هناك، ليتعرّفوا على ما يدافعون عنه؛ فتصوّر الأطفال والشيوخ والزوّار من طلاب المدارس، كما ترصد الفعاليات الترفيهية المختلفة التي تتم في أرجاء ساحة المسجد الأقصى.
وفي حديثها قالت الشابة المقدسية التي اشتهرت بلقب “اليتيمة”: “إن رباطها للتصوير والتوثيق داخل أسوار البلدة، وفي ساحات المسجد الأقصى، هو محاولة لإيصال صوت القدس والمسجد الأقصى وصورتهما للعالم وللمسلمين بالطريقة الصحيحة، التي تمكّنهم من معرفة المكان والارتباط به، والتفكير حول ما يحدث هناك داخل المسجد”.
فهي تعتبر أن “القدس والمسجد الأقصى ليسا حقاً للفلسطينيين وحدهم، وليسا ملكاً خاصاً، بل ملك لجميع المسلمين، ومن حقهم علينا أن نعرّفهم بهما”، لهذا تتنوع الصور التي تلتقطها “اليتيمة”؛ فمنها التعليمي التعريفي تبيّن فيه المعالم وتكتب عن أسمائها وتاريخها، ومنها الفني الشاعري الذي يظهر كيف تتعاقب الفصول على المسجد، وكيف تكسوه الثلوج في الشتاء، والورق الأصفر في الخريف، والأزهار في الربيع.
ومن الصور أيضاً ما يهدف للتوثيق؛ من أجل نقل الأحداث وانتهاكات جيش الاحتلال للعالم.
وأضافت قائلة: إن “نقل الصورة هو فرصة لخروج القدس من الانعزال في مجال المتاح؛ لأن استمرار عزل المسجد الأقصى والمقدسيين عن العالم لن يخدم القضية”، وتابعت: “هذه الرسائل التي نبثها من هنا قد تدفع العالم العربي والإسلامي لاتخاذ خطوة عملية لنصرته…التي قد تبدأ بالدعاء، وتتحول لمشاريع ومؤتمرات داعمة تنتهي بدعم حقيقي للمقدسيين وقضاياهم… وكل هذا ضروري في طريق التحرير”.
هَنيئاً لِمن لَهُ جَناحان ~ لن يَجِدَ صِهيُونيَّاً يُعيقَه وَلا بَاباً يُغلقُ فِي وَجههِ ~ كُلّما شَدَّهُ الحَنين إلى #الأقصى ~ #فراشة_الأقصى ~ و #قبة_الصخرة
– قصص إنسانية
ولا تعتمد “اليتيمة” على التصوير الفوتوغرافي فقط، بل تقوم أيضاً بتصوير المقاطع المصورة (الفيديوهات) القصيرة لصباحات المدينة وصلواتها وزهورها وطيورها وغيومها وأطفالها ونسائها وشيوخها وحتى قططها، كما توثّق قصصاً لن تعرضها شاشات الأخبار.
فعلى سبيل المثال، نشرت في مارس/آذار 2015 فيلماً قصيراً يتحدث عن “أبو هريرات”؛ وهو الشيخ “أبو أيمن” الذي يزور المسجد الأقصى يومياً ليطعم القطط والطيور، وليوزّع الحلوى على كل من يراه؛ طفلاً كان أو شيخاً أو امرأة، وإذا كان مبعداً يكلّف أحد أصدقائه بذلك ولا يترك القطط جوعى.
– مجاهدة سلاحها الكاميرا
“عازف بلا رصاص”، هكذا تعرّف “اليتيمة” نفسها في صفحتها في إنستغرام، التي حصدت خلال سنوات قليلة أكثر من 66 ألف متابع من جميع أنحاء العالم. والتي تعبّر فيها، إلى جانب نشر الصور والمقاطع المصورة (فيديو)، عن آرائها الناقدة لتقاعس العالم تجاه القدس، ففي التسجيل أدناه تظهر “دودة الأرض” تزحف في ساحة مسجد قبة الصخرة ويظهر تحته تعليق ساخر: “شاهد دودة الأرض وصلت إلى المسجد الأقصى… قبل جيوش العرب!”.
https://instagram.com/p/1AV97IgVVa/
– حملة “اسمك من الأقصى”
وفي وقت سابق من عام 2012 بادرت “اليتيمة” إلى جانب الناشط المقدسي “عبد العفو بسّام” بحملة جديدة من نوعها لتعزيز الصلة بين المسجد الأقصى والمحرومين من زيارته من المسلمين والعرب من جميع أنحاء العالم؛ وتحت اسم ووسم الحملة #اسمك_من_الأقصى قاما بكتابة أسماء أكثر من 14 ألف اسم من أسماء الناس الراغبين بزيارة الأقصى، وتصويرها أمام مسجد قبة الصخرة، ونشرتها لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق ذكرت “اليتيمة” لـ”الخليج أونلاين” أن الحملة تهدف إلى “تعزيز أواصر الترابط والصلة بين المسلمين والمسجد الأقصى…فمن يوجد باسمه هناك اليوم، غداً سيقف بنفس المكان لحماً ودم”.
وأضافت بأن الحملة لاقت رواجاً كبيراً وحصلت صفحتها في “جوجل-بلس” على أكثر من 12 مليون مشاهدة وفي موقع “فيس بوك” على أكثر من 15 ألف معجب.
ليست “اليتيمة” هي المصوّرة الوحيدة التي تجعل العالم العربي والإسلامي وكل مهتم بالقدس يعيش يومياً أجواء البلدة القديمة كأنه فيها، فإلى جانبها هناك شباب وشابات يرابطون في المسجد بآلات التصوير مختلفة الأنواع والإمكانات، يحاولون تأدية دور ما وتوظيف قدراتهم لخدمة ما يؤمنون به.
وسواء عرفوا ذلك أم لم يعرفوا، فلا شك أن مبادرة “اليتيمة” وزملائها تحمل رمزية عالية للراغبين بكسر حواجز الاحتلال الإسرائيلي لأداء صلاة في ركن من أركان المسجد، أو حتى لالتقاط صورة أو زرع شجرة. وهو ما يتوق إليه بالمقابل المقدسيون؛ أن يأتي يوم وتعج شوارعهم وأسواقهم بلكنات فلسطينية ولهجات عربية متنوعة.
وَأُعطِي نِصفَ عُمري للذِي يَجْعَلُ طِفلاً بَاكِياً يَضحَك ~#قبة_الصخرة#الأقصى#بيت_المقدس#فلسطين#Alyateema