تستعدّ دولة الإمارات لاستقبال البابا «فرنسيس»، في إطار المشاركة ضمن «ملتقى الحوار العالمي بين الأديان حول الأخوة الإنسانية» الذي من المنتظر أن تتمخض عنه مجموعة من التوصيات والمبادرات الداعمة للسلام والتعايش الإنسانيين.
وتعكس الزيارة في مضمونها؛ حجم التقدير والاحترام الذي يكنّه المجتمع الدولي لدولة الإمارات كبلد منفتح على محيطه الإقليمي والدولي، ولجهودها في ترسيخ قيم التعايش والتسامح والحوار وتعزيز السلام العالمي..
تحظى الزيارة ؛ التي تعتبر الأولى من نوعها إلى منطقة الخليج؛ باهتمام كبير من قبل القيادة الإماراتية، باعتبارها تجسيداً لأواصر التعاون والصداقة التي تطبع علاقات الإمارات العربية المتحدة بالفاتيكان؛ على طريق دعم التواصل الإنساني والحضاري..
لم يخف الكثير من أفراد الجالية المسيحية المقيمين بالإمارات ارتياحهم لهذه الزيارة التي تبرز انفتاح الإمارات، وترسيخها لاحترام الأديان والثقافات.
لا تخلو مبادرة الاستضافة من أهمية، سواء على المستوى الداخلي؛ بإرساء مجتمع منفتح ومتسامح، وعلى المستوى الإقليمي بالمساهمة في تجاوز تلك النظرة النمطية التي يحملها البعض تجاه العرب والمسلمين بربطهم بالتطرف والإرهاب، وعلى المستوى العالمي بتعزيز التعاون والتواصل الحضاريين؛ في زمن تعقدت فيه الأزمات؛ وتعاظمت فيه المخاطر التي تواجه الإنسانية جمعاء..
إن هذا التوجه المنفتح على المحيط الإنساني بحضاراته وثقافاته ودياناته المختلفة؛ هو أسلوب اختارته الإمارات منذ نشأتها، حيث دأبت على امتداد العقود الماضية في تقديم صورة راقية في دعم التواصل والحوار بين الشعوب؛ فكراً وسلوكاً..
كان للشيخ زايد تغمده الله برحمته رؤية حضارية تنبعث من القيم العربية والإسلامية التي تؤكد على التواصل والحوار بين الحضارات والشعوب، ومن شعوره بالمسؤولية إزاء شعبه ؛ وإزاء المحيط على أساس الالتزام بالمبادئ الإنسانية المثلى، حيث ظلّ يعتبر العالم بمثابة أسرة إنسانية.. ويرفض التطرّف الديني والإرهاب، كما كان يحثّ رجال العلم على الاضطلاع بدورهم في شرح وتفسير القيم السمحة للإسلام والمحفزة على التسامح والتقارب بين الشعوب.. وخلال لقاء له – رحمة الله عليه وطيب الله ثراه – مع مبعوث بابا الفاتيكان بتاريخ 30 يناير 1994، جدّد دعمه لفكرة الحوار الإسلامي – المسيحي كسبيل لإزاحة سوء الفهم بين الأديان السماوية والتقريب بين وجهات النظر.
ولعل هذا السلوك هو الذي منح هذا الرجل تقديراً كبيراً في الأوساط الرسمية وغير الرسمية على الصعيد الدولي..
إن إيمان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بالحوار والتواصل، هو الذي دفعه إلى إرساء الحوار الداخلي أولاً، عبر بلورة فكرة قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، معتبراً أن هذه التجربة الوحدوية تأتي تتويجاً لأواصر القرابة وقناعة الجميع بأهمية التّكتل. قبل أن يتطلع باستمرار إلى قيام وحدة خليجية، ولو على المستوى الاقتصادي، وهو ما تحقّق بالفعل بعد ترؤسه لأول قمة عربية، تم خلالها الإعلان عن قيام مجلس التعاون الخليجي..
مازال تحقيق التضامن العربي والإسلامي يشكّل هاجساً ومطلباً في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، ما يؤكده الدعم والمساعدات الموجّهة إلى العديد من هذه البلدان في مناسبات ومحطات مختلفة، والحرص أيضاً على تسوية الكثير من الخلافات والنزاعات التي تشهدها المنطقة..
وفي زمن تنامت فيه التحديات التي تواجه المنطقة العربية في أبعادها الثقافية والاستراتيجية والاقتصادية، مع استهدافها بأجندات مختلفة، وتزايد حدّة الصراعات الداخلية والبينية، وتنامي حدّة تشويه العرب والمسلمين في الغرب، تحت وقع بعض الأحداث والمحطات، وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر(أيلول) بالولايات المتحدة الأمريكية، وما تلاه من تصاعد خطابات الكراهية والصدام في أوساط عدد من النخب السياسية والأكاديمية في عدد من الدول الغربية تجاه العرب والمسلمين.. قادت الإمارات حملات واسعة على مختلف الواجهات، لتصحيح صورة الإسلام في الغرب من جهة، والحثّ على تعزيز الحوار والتعايش بين مختلف الحضارات والثقافات والشعوب من جهة أخرى.
وتواصل دولة الإمارات العربية المتحدة مسيرتها كبلد منفتح على مختلف الثقافات والحضارات، وحريص على الاستفادة من الطاقات والتجارب والإنجازات الإنسانية.. ما جعلها تمثّل في الوقت الراهن؛ فضاء خصباً وجاذباً للاستثمارات، وتشكّل قبلة مفضّلة للعديد من السياح؛ ولاحتضان الفعاليات الثقافية والعلمية والسياسية والاقتصادية الوازنة..
وهكذا قدمت دولة الإمارات من خلال مسيرتها التنموية الطموحة وسلوكها الخارجي المعتدل والهادئ، نموذجاً راقياً في الحداثة والانفتاح والتسامح، وأكدت على أرض الواقع أن الخصوصية لا تتعارض مع التطور والتنمية، ومع الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا الحديثة، وتحوّلات العولمة، بعدما أضحت واحدة من أسرع الدول نمواً وتطوراً على الصعيد العالمي.
ومن منطلق أن قوة الدول لا تتأتى من امتلاك عناصرها البشرية والاقتصادية والاستراتيجية المختلفة فقط، بقدر ما تتجسّد في حسن توظيف هذه المقومات، استثمرت الإمارات الكثير من إمكاناتها في سبيل ترسيخ هذا الحوار كأسلوب استراتيجي وخيار مستدام، عبر تشجيع البحث العلمي واقتحام التكنولوجيا الجديدة والاتصالات الحديثة وتعزيز التعاون الدولي في مختلف المجالات.